طرابلس اليوم

الجمعة، 26 مايو 2017

سنة الاختلاف

,

شكري الحاسي/ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

شاء الحق-تبارك وتعالى-أن تكون  سنة الاختلاف سنة كونية متصلة ، ومرتبطة بأصول الكون ، وفروعه بل بكل جزئياته، وذراته. فالاختلاف مشيئة ربانية، وإرادة  إلاهية واضحة بالنظر، والاستقراء، والنص، والقياس. قال تعالى:

هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ ١٠ يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ١ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ١٢ وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ النحل..   وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ

١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ  هود. إنه التنوع في المناخ، والتضاريس، والأشجار، والثمار، والإنسان؛ تنوع في  الألوان، والأجناس. نعم! إنها حتمية الاختلاف لحتمية الإرادة الإلهية. فستحال شرعاً ، وعقلاً  أن ينتفي الاختلاف ، وأن تعدد الآراء. وذلك يقتضي  أن يكون الدين مناسباً  لحتمية الاختلاف مراعياً لمنازل النفوس، ومدارج العقول  بالنظر في مصادر البيان ، والاستدلال. فبالنظر إلى مصادر التشريع، وموارد التحقيق كان الواجب المطلوب من المكلفين جميعاً على حدٍ سواء وذلك في أصول الدين، ومبانيه؛ فجاء الإجماع في مفاصل الأركان التي تُناسب الجميع ، ولا تحتمل الاختلاف، ولا التنازع فهي قواعد البنيان التي بدونها لا يُسمى بنيان ، ولا تُقام  بدونه عمدان.

ثم تُركت مساحات واسعة للسير، والعطاء، والاجتهاد ، والتنوع ؛ لتنوع العقول، والأحلام  ،واختلاف المدارك كماً، وكيفاً . فحينما يقول سيد المرسلين () أُنزل القرآن على سبعة أحرف. ما الذي يقصده من سبعة .؟؟  لماذا أصل الأصول القرآن الكريم  لم ينزل على حرف واحد..؟؟  لماذا في كثير من الأوامر الشرعية كتاباً كانت أو سنةً المجال فيها مفتوح للتأويل، والاستفسار، والاحتمال ..؟؟  لماذا لم يحسم النبي () الأمر بالمسير إلى قريضة فلا يصلين العصر إلا في قريضة..؟؟ إن الإشكال والاختلاف بين الصحابة في تلك الواقعة كان ممكن أن يزول بزيادة كلمة من النبي () (لا تصلوا في الطريق) إن العاقل يرى من خلال هذه النصوص تعمداً من الشارع ؛ لتأهيل الصحابة، والأمة للاجتهاد، والبحث، والموازنة . وإلا فإن الحق قادرٌ على فض الخلاف بنص قطعي الثبوت ، والدلالة . لماذا الناسخ ،والمنسوخ ..؟ لماذا المجمل، المفصل، والمطلق ، والمقيد.؟؟ لماذا قطعي الدلالة ، وظني الدلالة …؟؟ لا إجابة لهذه الأسئلة إلا إجابةً واحدة . نعم ! إنها فُسحة لإعمال العقل في التفكر، والتذكر، والاستنباط، والاجتهاد ؛ حتى يكون صالحاً للزمان ، والمكان . وما ذلك إلا بمفاتيح المصلحة ، والاستصحاب ، والعرف ، والمقاصد ، وسد الذرائع ، والاجتهاد.

نعم !!؟  لقد ارتكب الخطاب الإسلامي خطأً كبيراً  حينما جعل الخلاف شراً دون تفريق بين نوعيه.  اختلاف التضاد، واختلاف التنوع.  لقد أسس مُنظر السلفية الأول: ابن تيمية-رحمه الله- لفقه الاختلاف فقال: في رسالة قيمة له. إن الاختلاف ينقسم إلى نوعين إثنين: اختلاف التضاد ، واختلاف التنوع. فذم الأول وندد به ، وفصّل في الثاني وبين أسبابه.  وقسّمه إلى ثلاثة أقسام:

أولاً- عدم اعتقاد أن الرسول قد قاله.

ثانياً- عدم اعتقاد إرادة تلك المسألة بذلك القول.

ثالثاً-  اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.

وتـتـفـرع إلـى أسـباب عشرة:

(1) أن لا يكون الحديث قد بلغه :

مثاله:  (سنة الاستئذان ، وطاعون عمواس)

(2) أن يكون الحديث بلغه، لكن لم يثبت عنده:

(3) اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد آخر قد خالفه فيه غيره مع قطع النظر عن طريق آخر

(4) اشتراطه في خبر العدل شروطاً يخالف فيها غيره .

(5) أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده، لكنه نسيه، مثاله: ( عمار بن ياسر حينما أبلغ بسنة التيمم)

(6)عدم معرفته بدلالة الحديث.  مثاله: لفظ  (المزابنة، الملامسة، المخابرة،

لاطلاق و لاعتاق إلا في إغلاق“  فُسر  بالإكراه، و بالغضب)

(7) اعتقاده أن لا دلالة في الحديث :

(8) أن يعتقد أن تلك الدلالة قد عارضها مادل على أنها ليست مرادة، مثاله:  (معارضة العام بالخاص، والمطلق بالمقيد)

(9)اعتقاده أن الحديث معارض بما يدلّ على ضعفه أو نسخه أوتأويله أو إجماع.  مثاله:  (المتعة عند ابن عباس، الحمر الأهلية)

(10) اعتقاده معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارضا أو لا يكون في الحقيقة معارضاً راجحاً كمعارضة كثير من الكوفيين لحديث صحيح بظاهر القرآن. مثاله:  (حديث الشاهد واليمين) ……..

إنني أكتب ، وفي نفسي ألمٌ ، وحسرة ، واستغراب.!!!  مهما رسمت من علامات التعجب لا أجد جواباً يشفي عليلاً ، أويروي غليلاً لماذا أُهملت هذه القراءات ، والبحوث من مجدد السلفية ، وتلميذه ابن القيم.  لماذا أُهمل قول الأوصوليين: الحق واحد ولكن غير متعَين، وقول الشافعي: قولي صوابٌ يحتمل الخطأ ، وقول غيري خطأٌ يحتمل الصواب. لقد زعم الخوارج بقولهم . لا حكم إلا لله . أن الحق لم يكن إلا فيهم..!!!  وكذلك كانت مقولة: الدليل من الكتاب ، والسنة دون فهم الفقهاء، والأئمة. (كل يؤخذ من قوله ويُرد إلا صاحب هذا القبر)  لا تتبع مالكاً ، ولا الشافعي ، ولا أحمد . ولكن اتبع الدليل ..!!!!!!!! كلمة حق ضاع بها حقٌ كثير ، وانتفخ بها باطلٌ كثير.  لقد عرف الفقه الإسلامي مدارس فقهية متنوعة ، وكثيرة  كان لها دور كبير في  إثراء الفقه الإسلامي. لقد كان اختلاف الصحابة الأجلاء واضحٌ ، وجلي في مدرسة شدائد ابن عمر، ورُخص ابن عباس ، و بين شدة  عمر في الحق، ولين الصديق في الحق.  إن التنوع هو سِر الجمال في الكون فلولا تعدد الألوان لعاش الناس بين السواد ، والبياض….وقالوا : لولا تنوع السلع لبارت الأسواق.

التدوينة سنة الاختلاف ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “سنة الاختلاف”

إرسال تعليق