طرابلس اليوم

الأربعاء، 31 مايو 2017

قــراءة موجزة في كلمة ” دونـالد ترامب ” في القمة الأمريكية الإسلامية في الرياض

,

فوزي العقاب/ كاتب ليبي

تكاد السياسة الخارجية  للولايات المتحدة الأمريكية وخاصة  في فترات حكم الجمهوريين ، لا تخرج عن إطار البعد الديني كمدخل في تعاطيها مع كل القضايا في العالمين الإسلامي والعربي. فإما عدائية  فيما يخص الصراع العربي- الإسرائيلي  أو الحرب على “الإرهاب ” ، أو تحالفية كتطويق المد الشيوعي سابقاً فيما عرف بنظرية  “الحزام الأخضر” . وداخل هاتين الحالتين يكون الاقتصاد أهم الوسائل فيهما سواء من خلال عقد اتفاقيات اقتصادية وتجارية أو المقاطعة والحصار .

في هذا الإطار يمكن مقاربة زيارة  الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” الأولى خارجياً  إلى المملكة العربية السعودية ، لعقد قمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الإسلامية ،استهدف لحضورها 55 شخصية بين ملوك ورؤساء و رؤساء حكومات ووزراء خارجية  . وتقدر تكاليفها بحوالي 250 مليون ريال سعودي . ألقى فيها ترامب كلمة توصف بـ”الخطاب  الديني ” قدما من خلالها مشروع سياسياً أُستلهمت أفكاره من رنين 400مليار دولار أمريكي دفعت من الخزينة السعودية.

كانت لغة الخطاب دينية خالصة  فقد تضمنت  كلمة “ترامب” مايقارب 70 فقرة أكثرها تجاوز الأربع أسطر ، لم تخلو فقرة بدون إشارة  دينية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر،  فقد استهل كلمته بأنه اختار قلب العالم الإسلامي ليوجه منها خطابهُ وانتهى بتحية الحضور بحماكم الله وبارك الله الولايات المتحدة الأمريكية . رأى إن مشروعه الذي سيشارك فيه العالم الإسلامي سيحقق مستقبل لأطفالنا متفائل يحترم الله ، وإن القضاء على الإرهاب ليس خوفا من محاسبة شعوبنا او التاريخ بل خوفاً من محاسبة الله ، وإن الازدهار سيجعل كل مؤمن يمارس عبادته دون خوف . كان الخطاب مكتظ بالتعبيرات والدلالات الدينية .

رسم ” ترامب” من خلال كلمته الجغرافيا السياسية المستهدفة لمشروعه السياسي ، فحددها بقناة السويس والبحر الأحمر ومضيق هرمز . كان خطابه موجه إلى الخليج والمشرق العربيين  وتركيا وإيران والحليف الاستراتيجي له إسرائيل تحت مسمى “الشرق الأوسط” .فقد ذكر في سياقات متفرقة كل دول هذه المنطقة السعودية ، الإمارات ، قطر، الكويت البحرين ،اليمن ،العراق، سوريا ، الأردن ، لبنان ، تركيا ، إيران ، وإسرائيل ، وحتى طوائفها وتنظيماتها  وأسماء من رؤساءها كالسنة ، الشيعة ،اليهود ،الأكراد ، الحوثيون ، حماس ، حزب الله ، القاعدة ،محمود عباس ، والأسد ، ونيتنياهو . ولم يكن هناك أي ذكر أو إشارة لدولة من دول المغرب العربي أو شمال أفريقيا. لا من حيث المتغيرات السياسية الجارية فيها ولا لما تحتويه من أهمية جغرافية و موارد وثروات طبيعية.  هذا الترسيم في تقديري كان لمناطق النفوذ وهذا التجاهل كان رسالة واضحة لشريكه الأوربي لنعود بالذاكرة لسياسة “الباب المفتوح”.

لم تكن الجغرافيا  فقط المحددة في خطاب “ترامب ” بل حتى الجمهور ايضاً ، فقد استعمل ” ترامب” في كلمته عبارات كالشعوب الإسلامية والعربية وغالباً ما تأتي مقرونه بالشعوب الشرق أوسطية ، والفتيات والفتيان من الشباب المسلم ، والمسيحين واليهود ، والشيعة والسنة  والأكراد . لم يذكر ترامب طيلة كلمته لفظ “دولة إسلامية او دولة عربية ” إلا مرة واحدة بقوله “دولة ذات أغلبية مسلمة” . في تصوري إن ترامب كان يقصد هذه الدقة في المعنى واللفظ . كان يتحدث عن شرق أوسط جديد تشكل اليهودية جزء أصيل منه والأقلية المسيحية تُأخذ في عين الاعتبار ، وخاصة عندما اكد على إنه ضيف عند أمة تخدم أقدس موقعين للعالم الإسلامي ليسقط الأقصى كونه ثالث مقدساتنا الإسلامية ، شرق أوسط هويته ليست إسلامية ولا عربية . لم يسجل حضور فلسطين كدولة حتى بحدود 67 في الكلمة ولم يحضر إلا اسم محمود عباس وإشارة إلى الفلسطينين في سياق التعايش السلمي للديانات دون الإشارة هل في داخل دولة واحدة أو دولتان . وسبق هذا تعبيره على إن زيارته للملكة السعودية ثم القدس وبيت لحم من وثم الفاتيكان هي تأكيد على شراكة الديانات الإبراهيمية في القضاء على الإرهاب وإحلال السلام . واعتقد إن الدلالة الأقوى من الشراكة هي رمزية إن تكون القدس عاصمة يهودية .

كانت عبارات الإرهاب ومعاني التطرف حاضرة بقوة في كلمة “ترامب” أيضاً لكن الملفت  للانتباه لم يكن الإرهاب دينياً إسلامياً في خطاب “ترامب ” بل إرهاباً سياسياً ، فجاءة تنصل الرئيس الأمريكي من خطابه اليميني المتطرف تجاه الإسلام والمسلمين اثناء حملته الانتخابية  ليقسم العالم إلى قوى خير وقوى شر،  فلم يأتي مصطلح الإرهاب مقروناً بالإسلام إلا مرة واحدة فقط بعبارة  “أزمة التطرف الإسلامي والجماعات الإسلامية الإرهابية ”  وكلمة الأزمة هنا تدل على حالة غير أصيلة ومؤقتة . أكد بكل وضوح إن إيـران هي مصدرالإرهاب إيران كنظام سياسي لهُ حلفاء إقليميين ودوليين ، والأعجب من ذلك اقتصرت مكافحته على قطع مصادر التمويل والعمليات اللوجستية فقط ولم يطال حديثه المرجعيات أو المدارس الفكرية . ولم يغفل ” ترامب ” عن وضع “حماس” في سلة الإرهاب مع حزب الله والقاعدة وداعش ، لكي تكون المقاومة الفلسطينية  عمل إرهابي .

الديمقراطية أبرز القضايا بل والكلمات الغائبة في خطاب “ترامب” ، فلم تُذكر هذه المفردة لا باللفظ ولا المعنى ، بل ولا حتى إحدى قيمها لا الحرية  أو حرية التعبير عن الرأي أو المشاركة السياسية ولا التداول السلمي . تجاوز “ترامب ” تماماً أهم قضية تخوضها الآن الشعوب العربية وهي التحول الديمقراطي ، فلم تكون شعوب المنطقة في عيون “ترامب” إلا “رأس مال بشري” على حد تعبيره . بل هو افصح بتغاضيه عن ذلك بتعبيره ” وسنسعى حيثما أمكن، إلى إجراء إصلاحات تدريجية وليس التدخل المفاجئ”.

في آخر هذا  القراءة الموجزة اعتقد .. سشتهد الفترة المقبلة إقامة حلف سُني بقادة المملكة السعودية ابرز الغائبين عنهُ إلى الآن تركيا والمغرب والجزائر والسودان ،و بشراكة الولايات المتحدة واسرائيل ، لتحجيم الدور الروسي الصاعد في المنطقة ، من خلال إعادة إيران لعزلة سياسية واقتصادية وإضعاف موقف الأسد في سوريا لصالح دعم المعارضة ، ودعم التحالف العربي في اليمن وضمان مشاركة أكبر لسنة العراق . لتنتهي أولية  “داعش السنية” كخطر إرهابي واستبادله بـ”داعش الشيعية” . هذا المشهد يعكس في تصوري مدي تغير أوليات الفواعل الإقليميين السلبيين في المشهد الليبي ، فهم الآن في أشد الحاجة إلى دول سنية مستقرة لتمتين هذه الجبهة وليس هناك وقت لإدارة صراعات حول السلطة تزيد من زعزعة الاستقرار وتعطي فرص أكبر لإيران ومن خلفها روسيا للنفاذ داخل المشهد عبر وكلاء محليين.

 

التدوينة قــراءة موجزة في كلمة ” دونـالد ترامب ” في القمة الأمريكية الإسلامية في الرياض ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “قــراءة موجزة في كلمة ” دونـالد ترامب ” في القمة الأمريكية الإسلامية في الرياض”

إرسال تعليق