طرابلس اليوم

الأربعاء، 31 مايو 2017

هل يكفي الصيام في رمضان؟

,

آية دخيل/كاتبة ليبية

من المألوف أن ترى في نهار رمضان الشوارع شبه خاوية، وحركة النّاس يسيرة، أغلب الأسواق التّجاريّة قد تركت أبوابها مقفلة إلى ما بعد الظّهيرة، بافتراض أنّ كلّ الناس نيام، وأنّ الحاجة الّتي يطلبها أحدهم من الممكن لها أنّ تؤجل إلى ما بعد.

المؤسسات الحكومية تساهلت في دوام موظفيها، لأنه رمضان، ولأن العاملين يريدون أداء حقه، وشغل أوقاتهم بالعبادة والفرائض، والمشاهد يستطيع أن يلاحظ أن المدينة تنام في عزّ النّهار، وعلى خلاف هذا الرّقود الّذي يجثم على الجميع، كانت غرف الطّبخ حيّة ونشيطة، فالنّساء كما هو معروف عليهن، يولون سفرة الإفطار اهتماما بالغاً، لأنها وبطريقة ما الميزان الّذي يقفن عليه لتحديد براعة وحذاقة الواحدة فيهن، فيتنافسن وإن ليس بالشكل الظّاهر على نيل المرتبة الأولى الّتي لا تعود عليها أيّ جائزة غير الشّعور بالزهو والاعتزاز، وربما قليل من غرور، ورغم المظاهر الهامشية للشّهر، إلّا أنه يعدّ مفخرة عظيمة للمسلمين في كل المدائن، فتمتلئ المساجد على حين غرّة بالمصلّين والمعتكفين، ويوزّع الطعام على وجوه أثر فيها الرّمض بالغ الأثر، وتصفّ الموائد في الشّوارع للمعدين ولمن لا يجد، وتنتشر المكارم بالجملة، فيبدو أنّ المسلمين مسلمين، هكذا بين عشية وضحاها.

ولك أن تستغرب هذا التّحوّل، الّذي ينشأ ربّما من الإيمان والتّصديق على أنّ أبواب جهنّم غلّقت، وأنّ الشّياطين صفّدت، فليس هناك داعٍ وهذا الحال لأي إثم أو معصية، منكرين ضمنيّاً حقيقة أنّ الخطيئة إن وقعت في قلب أحدهم إنّما بإرادته، لكنّهم على كلّ حال استغلّوا هذا الشّهر أحسن استغلال، فعكفوا على الخير والصّلاح، رغبة في الإصلاح، والله يهدي من يشاء، هذه فئة -رغم زلاتها- قد أنعم الله عليها، ولكلّ شيء وجهان، وكذا رمضان، فتنتشر مظاهر الكرم مغلفة بالرّياء، والسّاعات الطويلة الّتي قضتها النسوة يطبخن أطعمة لا تنتهي، تضيع بلا نيّة سدى وهباء، وتنتهي الأخيرة في أكياس القمامة تبذيرًا وكفرًا بالنّعمة، فتصبح معادلة الغني والفقير فاضحة جدا، وظالمة أكثر من ذي قبل، ويفقد الشهر معناه لمّا يقترن بأجهزة التلفاز والبرامج الّتي ما عادت تحترم عمرا، كبيرا أو صغيرا، ليصبح الصّيام مجرّد ساعات يقضيها الواحد في سبات، تحت سلطة النسمات الّتي ترسلها أجهزة التكييف الكهربائية، وينصرم النهار، وتضيع الصّلوات، لكنّ الصّائم على كل حال يبتلع تلك التّمرات، ويالله تقبل!، فكيف يصحّ أن تقدّم فريضة الصّوم على فريضة الصّلاة، هي الّتي يحبط دونها كلّ عمل، ويضيع من غيرها كلّ أجر، لكنّك مع هذا تسمع عبارة “اللهم إنّي صائم” في كل وقت، مرّة خلال خصومة ومنازعة وأخرى بعد عمل لا يقوم به إلّا شيطان، فكيف هذا الحال وقد سلسلت الشياطين في هذا الشّهر الكريم، ولا تستطيع أن تفرّق بعد بين الإنسان وهذا المخلوق الّذي يلعن في نهار رمضان، لكنّك تتمسك بحرمة الشّهر كما يتمسّك الغريق بقشّة، رمضان هو رمضان، لا يعكّر صفوه مهما لغي فيه اللاغون، ينزل الله فيه الخير والبركات أمطارا كثيرة، تُعطّر نهاراته بشذا الإيمان، النّهار صيام، أما بعد الفطر، فالمرح والمتعة، والشّيشة والدّخان، هذا حال من لم يدركوا فضل الشّهر وعظمته، وقدرته على تغيير الإنسان وتأديبه، من استغلّه أحسن استغلال فقد نال فائدة عظيمة، وكرامة هائلة، الأجر والثواب فيه مضاعف، وذلك رحمة من الله، هو الّذي يهيئ للناس الأسباب ليأخذ بها العاقل، ويتركها ويحيد عنها الأحمق والجاهل، والنّاس مقامات، كل واحد له عقل يفكّر به، وقلب يتدبّر به، ولله في خلقه شؤون.

التدوينة هل يكفي الصيام في رمضان؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “هل يكفي الصيام في رمضان؟”

إرسال تعليق