طرابلس اليوم

الأحد، 29 يوليو 2018

المنافسة الإيطالية الفرنسية حول الهيمنة على ليبيا تدفع البلاد نحو المزيد من الفوضى

,

مصطفى الفيتوري / موقع المونيتور الأمريكي

كانت آخر انتخابات شهدت ليبيا بتاريخ 25 حزيران/ يونيو من سنة 2014، حيث أدلى الليبيون بأصواتهم لانتخاب ممثليهم في مجلس النواب الجديد بعد انتهاء ولاية المؤتمر الوطني العام المؤقت. وفي الحقيقة، كان الليبيون يأملون في أن تساهم الانتخابات في إعادة الاستقرار للبلاد، وتضع حداً للعنف الذي ابتُلي به هذا البلد الشمال إفريقي منذ الإطاحة بزعيمه معمر القذافي بمساعدة حلف شمال الأطلسي، خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2011.  

خلال انتخابات 2014، كان معظم الليبيين يشعرون بالإحباط والارتياب بشكل متزايد من العملية السياسية برمتها، حيث أدلى 630 ألف ناخبا فقط بأصواتهم أي أقل من نصف الناخبين المسجلين. ولكن، لم تحقق الانتخابات السلام المرجو ولم تُنهِ موجة العنف المتفشية في البلاد.

خلافا للمتوقع، ازدادت الاضطرابات واندلعت حرب أخرى عندما رفض تحالف الإسلاميين قبول نتائج الانتخابات وقرروا السيطرة على البلاد بالقوة. وفي هذا الإطار، شن تحالف الإسلاميين هجومًا عسكريًا أطلِق عليه اسم عملية “فجر ليبيا”، التي بدأت في 13 تموز/ يوليو سنة 2014، وانتهت خلال شهر آب/ أغسطس سنة 2014، وأدت إلى سيطرتهم بصفة كاملة على العاصمة طرابلس، بعد تدمير المطار الدولي وإلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات المدنية والحكومية.

يبدو أن الانتخابات لا تحقق دائماً ما يطمح إليه الشعب، بيد أنها أفضل فكرة يمكن لمبعوثي الأمم المتحدة أن يتوصلوا لها، ولا يعد مبعوث الأمم المتحدة الحالي إلى ليبيا، غسان سلامة، استثناءً. في 29 أيار/ مايو، استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قمة في باريس جمعت بين كل المنافسين الليبيين الذين وافقوا على إجراء الانتخابات المقبلة، التي اقترح سلامة عقدها في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر، باعتبارها السبيل الوحيد لانتشال البلاد من مستنقع الفوضى.

مرة أخرى احتل الفرنسيون المقدمة، حيث دفعوا جميع الأطراف الليبية إلى الوفاء بوعودها من خلال الالتزام بإجراء الانتخابات في الموعد المحدد. وفي هذا السياق، زار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان ليبيا، في 23 تموز/ يوليو، للقيام بجولة في مراكز السلطة الثلاثة: طرابلس، ومصراتة، وبنغازي.

في طرابلس، أكد وزير الخارجية الفرنسي لحكومة الوفاق الوطني أن فرنسا ستساهم في نفقات الانتخابات بمبلغ 100 مليون يورو (أي ما يعادل 117 مليون دولار)، لذلك يجب أن تمضي الانتخابات قدما. أما في مصراته، أراد لودريان أن يتأكد من أن مجلسها المحلي وميليشياته المسلحة لن يقاطعوا الانتخابات المتفق عليها، نظرا لأنها لم تكن ممثلة في الاجتماع، الذي عقد خلال شهر أيار/ مايو في باريس.

أما في بنغازي، التقى لودريان مع رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، للتأكد من أن البرلمان سيمرر قانون الانتخابات كما هو متفق عليه. في المقابل، كان لقاء المسؤول الفرنسي مع قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، يهدف إلى تذكير القائد العسكري القوي بأن الانتخابات يجب ألا تتأجل لأي سبب، وأن الجيش يجب أن يساعد في تأمينها. ولكن لسائل أن يسأل، هل تعاني ليبيا بالفعل من العديد من الثغرات في الانتخابات التي تعتزم إجراءها؟

في حين تعتقد فرنسا أن الانتخابات حقيقة بينما تواصل اتباع نفس السياسة مع ليبيا، يبدو أن منافستها إيطاليا تؤمن بغير ذلك. فإيطاليا لم تُدع إلى الاجتماع الذي عقد خلال شهر أيار/ مايو الذي استضافته فرنسا، على الرغم من أنها القوة الاستعمارية السابقة في ليبيا (1911-1943) قبل أن يهزمها الحلفاء، بما في ذلك فرنسا. وقد منح هذا الانتصار فرنسا السيطرة على المنطقة الجنوبية في ليبيا، التي تُعرف باسم فزان.

يبدو أن الاجتماع السابق الذي استضاف فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كلا من رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، والمشير خليفة حفتر، في 24 يوليو/ تموز من سنة 2017، قد أثار حفيظة الحكومة الإيطالية التي وصفت هذه الخطوة بالتدخل المتزايد للرئيس الفرنسي المنتخب حديثا في الشأن الليبي. في ذلك الوقت، صرح دبلوماسي إيطالي  لوكالة “رويترز” بأن “ماكرون يريد أن يتدخل على نطاق أوسع في ليبيا. ولا يعتبر هذا بالأمر السيئ، لو لم يكن يعمل على إقصائنا من المشهد السياسي الليبي، ناهيك عن أنه لم يستشرنا”.

لطالما أخذت إيطاليا بزمام المبادرة في الملف الليبي، ويبدو أن جميع دول الاتحاد الأوروبية تقبل ذلك على أنه أمر واقع. فقد كانت العلاقات التاريخية لإيطاليا مع مستعمرتها السابقة وعلاقاتها الاقتصادية الواسعة المحور الرئيسي في سياستها تجاه جيرانها المتوسطيين. وتجدر الإشارة إلى أن لولاديان والسفيرة الفرنسية في ليبيا، بريجيت كورمي، لم يستجيبا لطلب المونيتور بالتعليق على هذا الموضوع.

خلال سنة 2008، وقعت كل من إيطاليا وليبيا اتفاقية تاريخية لإنهاء العداء الذي دام بينهما لفترة طويلة منذ الفترة الاستعمارية. وقد مهدت هذه المعاهدة الطريق لعصر جديد من العلاقات، حيث أقرت إيطاليا بمسؤوليتها فيما يتعلق باحتلالها الاستعماري الوحشي لليبيا، ووافقت على تعويضها بمبلغ خمسة مليارات دولار على مدى 25 سنة.

حظيت إيطاليا بمركز الشريك التجاري المفضل لدى الدولة الغنية بالنفط، فضلا عن مجموعة من الميزات الأخرى. وتستورد إيطاليا 25 بالمائة من احتياجاتها النفطية و10 بالمائة من الغاز من ليبيا. كما تمتلك شركة “إني” العملاقة المختصة في الطاقة حصصا مهمة في صناعة النفط والغاز في ليبيا. وفي حين تعتبر شركة “توتال” الفرنسية منافسة لشركة “إني” الإيطالية،  يبدو أن باريس قد تركت روما تتولى زمام المبادرة في القضية الليبية حتى الآونة الأخيرة.

لا تزال السلطات الإيطالية تفضل تأجيل الانتخابات في ليبيا، داعية القوى الأجنبية إلى عدم التدخل في تحديد موعد إجراء هذه الانتخابات. وحيال هذا الشأن، قال وزير الخارجية الإيطالي، إنزو مورافو ميلانيسي، بتاريخ 11 يوليو/ تموز إن “الشعب الليبي ومؤسساته الكبرى هما اللذان يقرران متى يجب أن تجري البلاد الانتخابات”.

في الواقع، لا تستطيع ليبيا إجراء انتخابات بطريقة نزيهة وسلمية في هذه المرحلة. ويشكل انعدام الأمن عقبة رئيسية، لا سيما في المنطقة الجنوبية حيث لا تتمتع كل من حكومة الوفاق الوطني ومنافستها في طبرق بسلطة كبيرة على المنطقة، المليئة بالميليشيات المسلحة والعصابات الإجرامية، كما كان الحال على مدار السنوات السبع الأخيرة.

تسببت انتخابات 2014 في خلق أكثر الانقسامات السياسية خطورة في ليبيا، وهذا يعني أن أي انتخابات قادمة ستجرى وسط حالة من عدم الاستقرار الأمني والتنافس السياسي المتوتر يمكن أن ينتج عنها المزيد من الانقسامات الإقليمية. وقد ظهر مؤشر مهم على تواصل هذه الأوضاع في 19 يوليو/ تموز، عندما استقال فتحي المجبري، ممثل منطقة برقة الشرقية في حكومة الوفاق الوطني، وغادر طرابلس. وجاءت هذه الخطوة احتجاجا على ما أسماه “هيمنة المليشيات” في العاصمة التي تسببت في عرقلة مسار حكومة الوفاق الوطني.

ويبدو جليا أن المنافسة الفرنسية الإيطالية حول الهيمنة في ليبيا لا تساعد البلاد على تجاوز أزمتها، وإنما يمكن أن تدفعها بدلا من ذلك نحو مزيد التفكك. وفي هذه الحالة، لن تستطيع كل من فرنسا وإيطاليا تحقيق أهدافهما على المدى البعيد.

التدوينة المنافسة الإيطالية الفرنسية حول الهيمنة على ليبيا تدفع البلاد نحو المزيد من الفوضى ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “المنافسة الإيطالية الفرنسية حول الهيمنة على ليبيا تدفع البلاد نحو المزيد من الفوضى”

إرسال تعليق