طرابلس اليوم

الأربعاء، 25 يوليو 2018

الدّراما اللّيبيّة… تنتفض من تحت الرّماد الحار.. أزمة بلد… أزمة ممثّلات… تهريب الفن

,

مريم بوزيد سبايو/ كاتبة جزائرية

كل ظروف ليبيا لا تساعد على الابداع، احباطات سياسية واجتماعيّة تلقي بظلالها على الدراما، فيكثر الكلام عن غياب السّيناريوهات الجادة غير المتكرّرة، والتي تجذب المشاهد وتلامس قضاياه بكل شفافيّة… كذلك قد تحدث أزمة شخصيّات وتحديدا الشّخصيات النسائيّة، ويدقّ ناقوس ندرة وغياب العنصر النّسوي، أي الممثّلات، هذا اضافة إلى استحالة وجود أماكن تصوير في جغرافيّة استلمتها الميليشيّات وأحالتها إلى فضاءات مخيفة غير آمنة على الجميع… ضغوطات من كل جانب على مهنة حسّاسة وهشّة في مجتمعات ما زالت تنظر بعين مكسورة للفضاء المفتوح وللتّمثيل وللفنّ عموما… فكما كانت تتدفّق السّلع على الأسواق التونسيّة، فالوقت حان لأن تفتح الحدود للدّراما وللسّينما لتجد مجالا للانبعاث وليتنّفس الفنان الصّعداء وتعود له الحياة… تفتح الحدود على مصراعيها ليعود الأمل لبعض من مناحي الحياة… تفتح الحدود لتهريب الفنّ ولانطلاقة المبدع من تحت الرماد، لينتج وليستعيد طاقاته… تونس المدد البشري واللّوجستي والفضاء الحّر، الذي يصنع شوارع وأزقّة ليبيا التّاريخية… ويصنع المرح بكاميرات خفية، وترسم معالم دراما في تركيبات فسيفسائيّة.

الكلام عن فن وابداع في ظل الأزمة الليبية الكبيرة، ضرب من الخيال والجنون، والأوهام…خراب مؤسساتي، هشاشة البنى التحتية ومشاهد التصوير الخالية على عروشها، انطواء كثير من الفنانين والفنانات، شح لدرجة العدم… في ظلّ انقسامات وميليشيا تحرس المصالح، وشعب ترك لمصيره، تشتعل شرارة الابداع مع كل تفجير ودويّ، ونيران ملتهبة ليعبر الفنان عما يجري حوله، ليحول العجز إلى مساحات للفرح والنّقد اللاذع ومحاولة ايجاد معنى داخل اللا معنى وداخل فوضى الانهزام… كمشاهدة على الدراما والبرامج الليبيّة أحسّ بوخز الضّمير لأننا تقوقعنا داخل أوهامنا ومركزيّتنا، ورحت أقتنص فرصة فهم ما يجري بالتّماهي مع الفنّانين ولغتهم والدّيكورات والمناظر والثقافة… مع زخم ليبيا وحضارتها… اكتشاف جديد لكنوز الجيران… لطاقات فنية مبدعة.

 

ليبيا تستعيد أملها وبسمتها والمحرّك هو المرأة

 

المتفرّج على مسلسل «وين حصة حواء» للفنّانة القديرة لطفيّة إبراهيم، ومن تأليف الكاتب المتميّز عبد الرحمن حقيق، يدرك أنّ مطالب المرأة بالجملة، فمن خلال شخصيّة مديرة المدرسة، حواء، الرّمز الكبير لأنوثة عامرة بالخير للجميع، المتفانية في عملها بحب وشغف، الحضن الدافئ الكبير، لم تقف طموحاتها الانسانيّة عند أسوار الدّراسة وقلعة المعرفة، بل تقرّر حواء، ولا تطالب، بأن تكون شريكا في الاستثمار البشري وفي الطّاقات الشّابة، وأن لا تنتظر شيئا من حكومات ثلاث تغطّ في نوم عميق… ما دامت تمتلك الأموال… تتحّقق الأحلام، لتدخل بوّابة الحلم السّياسي وتشكيل حزب الحنان الديمقراطي، طوباويّة غير مستحيلة، تبين أنّه لا أحد يمكن أن يقرّر مكان المرأة، التي لم تعط لها فرصة في ليبيا، وفي ّ خضم هذه الأزمة الخانقة، يمكن للقلوب الكبيرة الخافقة أن تقف صامدة في وجه التّلف والوجع وأن تستمر ليبيا بكل مؤسّساتها ونسائها… ورجالها أيضا.

من يتابع «وين حواء» ينجذب إلى حوار مخملي مطّرز بالأمثال ومعشّق بزليج البيوت الطّرابلسيّة العتيقة، ويدثّر بالفرّاشية ناصعة البياض ويغويه الردى الحريري الماسك بمشابك ذهبيّة متقنة الصّنع… مسلسل جمع بين الاجتماعي والكوميديا الهادفة، التي تنساب بها اللّغة متفجّرة كتفجّر تجارب ممثّلين صقلتهم التّجارب والأدوار… وصنعهم الوعي بما يدور على السّاحة… حوّاء نموذج المرأة الذّكية الفعّالة المخلصة في عواطفها تجاه البلد والمجتمع، إنّها مجموعة عوامل التفت اليها صناع هذا المسلسل ليعطينا خامة مركّزة بحواف مطرّزة تطريزا جميلا.

دائما على قناة «ليبيا الأحرار»، الابتسامة لا تريد مغادرة ثغر ليبيا، مع فنّانة قديرة أخرى، زبيدة قاسم أو مسعودة، وأفكارها السّودة، سيناريو وإخراج عادل الحاسي مواضيع تريد فعلا التّرفيه وزرع الفرحة في قلوب عاشت مرارة اقتتال الأهل وفقدانهم في صراع دام لم يحسم بعد… متعدّدة الشّخصيات واللّغات والأزياء، كبرى الأخوات مسعودة العقل المدبّر التي توصلها أفكارها إلى ما لم يكن في الحسبان أو إلى من لم تخطّط له… كلّ الطّرق وسيلة لتبرير الضّحك الذي يخرج من القلب… فحتى الخطف الذي لجأت إليه مسعودة بمعية إخواتها متماهية مع الخطف، الذي بات بعبعا مؤرقا للمجتمع… فإنّه ورّطها في أن تعول المخطوفة وأبنائها بعدما لاحظ الزوج حالة زوجته الجيدة وتغيّر ملامحها نحو الأحسن… بين الطموح وتجاوز الحدود تكمن جوانب إثارة المرح والتّرفيه… وابتسامة الثّغر لا تعني أنّ القلب خال من الهموم.

 

الفانوس… فولكلور وإضاءة ميزوجينيّة

 

على فضائيّة «ليبيا» وعلى موسمين يعرض مسلسل «الفانوس»، فكرة وانتاج واخراج أبو بكر زين العابدين وسيناريو محمود العاطي، سلسلة مستوحاة من التّراث اللّيبي المغاربي، كالبصمة الهلاليّة، التي يمكن ملامستها في هذا الانتاج، وكذلك اللّجوء لحكمة الشيوخ في حلّ المعضلات… وغيرها من موتيفات التّراث الحكائي المتناقل، والسّيرة الهلالية في شحناتها اللّيبيّة، جديرة بأن تشكّل معينا لا ينضب للابداع الدرامي.

المسلسل يعبق باكسسورات الثّقافة اللّيبيّة، ومنطقة أوجلة تحديدا، أين فتحت البيوت القديمة أبوابها لنكتشف ديكورات بسيطة وموحية وأزياء ما زالت تشكلّ التّقاليد اللّباسية الحيّة في ليبيا بالرّغم من كلّ شيء… لكن تغيب صانعات الأفرشة والزّرابي ومنتجات الحكايا والّسرد… إذ لا وجود للشّخصيّات النّسائية تمثيلا، ومن ثمّ غياب الموضوعات المرتبطة بالنّساء، ومن خلال جنيريك الفوانيس يمكن التّساؤل على هذا الغياب؟

يضيء الفانوس جانبا من عتمة تخلّى فيها البشر على انسانيّتهم ورموزهم تحت وقع تغيّرات عنيفة، لا يمكن تجاهل مآسيها إلا بالهروب إلى جنان التّراث المفقودة في زمن رخص فيه كلّ شيء وأهم شيء… الانسان.

تغيب النّساء بل لا وجود لهن إطلاقا… لكن وبالرّغم من علاقة النّساء بالتّمثيل والنّظرة الدّونية لهذه المهنة وللفن عامّة، إلاّ أنّ المشهد الفنّي اللّيبي لا يخلو من العنصر النّسوي، والبرامج الرّمضانية لهذه السّنة أبرزت أجيالا من الفنّانات، عرضن الحيلة، والذّكاء، والحدّة والشّيطنة والتّسلط وحبكن أدوار المرأة السّلبية وبرعن في أدوار التّراجيديا والجنون… لكن بالرّغم من كلّ هذا يبقى اشكال وجود المرأة في الدّراما الليبيّة في ظلّ هذا الرّاهن السّوداوي والتّقهقر المجتمعي، إشكالا يطرح على الفاعلين في مجال الفنّ عموما.

لذلك هجرت الكاميرا الخفية إلى تونس لتحطّ سنونوّتها، الفنانة الشابة الجريئة منيرة بالروين، رحالها في فضاء متسامح سينمائيا مع المرأة، فضاء يسمح لها باخراج طاقاتها الابداعيّة، وأن تبرز جماليات حركة الجسد وتغيّراته من خلال الأدوار والحركات والأزياء وكل مستلزمات العمل الدّرامي.

كما كانت تونس وجهة المخرج الشّاب أسامة رزق، صاحب مسلسلات ناجحة مثل «روبيك» و»دراجنوف»، ليبحث أولا على أزقّة طرابلس العتيقة المفقودة التي عبثت بها أيادي البشر والّسنوات العجاف الحمراء… وليكمل تجربته النّاجحة بخبرة تونسيّة في مجال السّمعي البصري، وليجد تفرّعات شخصيّاته النّسائية المتعدّدة، لمسلسله «زنقة الرّيح»… زنقة الريح التي ينتظر المشاهد العربي والمغاربي وغيره اتاحته بسهولة عبر اليوتوبات ليكتمل المشهد التّاريخي والاجتماعي، وحتى لا يتكّرر ظلم التّاريخ للّيبيين وظلم التّكنولوجيا للمتابع الشّغوف بالأحداث.

وهوس البحث عن فنّانات خارج ليبيا، بالرّغم من التّضحيات التي قامت بها فنّاناتها، في مجتمع محافظ قد يقصد منه الاتّجاه نحو تشيّؤ المرأة بفرض جباية الجمال وتركنة الدّراما، كما لوحظ في جلّ الّدراما المغاربية في الفترة الأخيرة، والتي بدأت تحذو حذو مقاييس الدّراما التّركية أو تقتبس منها وتحاكيها.

القدس العربي

التدوينة الدّراما اللّيبيّة… تنتفض من تحت الرّماد الحار.. أزمة بلد… أزمة ممثّلات… تهريب الفن ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الدّراما اللّيبيّة… تنتفض من تحت الرّماد الحار.. أزمة بلد… أزمة ممثّلات… تهريب الفن”

إرسال تعليق