الكاتب: نادين دهان: صحفية ليبية تقيم في لندن
الموقع: ميدل إيست آي
بينما يخرج بعض المواطنين الليبيين إلى الشوارع للاحتجاج ضد شركة الكهرباء والحكومة الليبية، يلجأ البعض الآخر للشواطئ للترويح عن أنفسهم.
أصبح انقطاع الكهرباء في ليبيا ظاهرة متكررة. لكن، مع بلوغ درجات الحرارة في البلد الغني بالنفط 46 درجة الشهر الماضي، غرقت معظم المنطقة الغربية في الظلام لفترات استمرت لمدة 14 ساعة في بعض المدن، مما تسبب في اندلاع احتجاجات.
منذ منتصف تموز/يوليو الفارط، كان غرب ليبيا يشهد انقطاعا متكررا في الكهرباء، وقد عانت بعض المناطق من انقطاعات متعددة في اليوم الواحد، استمر بعضها لمدة تسع ساعات. ومع ارتفاع درجات الحرارة، أصبح السكان عاجزين عن إيجاد حل لهذه المعضلة مع نقص في التكييف والثلاجات والعديد من الأجهزة الأخرى، بما في ذلك الآلات الطبية الأساسية.
وفي تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، قالت مها عبد الله، إحدى متساكنات مدينة طرابلس الليبية: “منازلنا شديدة الحرارة في هذا الوقت من العام، وليس لدينا خيار سوى أخذ الأطفال إلى الشاطئ، حتى يتمكنوا من الترويح عن أنفسهم في الماء البارد على الأقل نظرا لأن درجة الحرارة هناك تكون أقل شدة”.
خرج المحتجون لأول مرة للشوارع في العاصمة الليبية في أوائل شهر تموز/يوليو، وقد ألقوا باللوم على حكومة الوفاق الوطني المدعومة من قبل الأمم المتحدة، والشركة العامة للكهرباء، للظروف الصعبة التي تعيش المنطقة تحت وقعها. كما استمرت الاحتجاجات وانتشرت في مدن أخرى، بما في ذلك صبراتة، والزنتان وسرت والعزيزية، حيث قام المتظاهرون بحرق الإطارات وإغلاق الطرق الرئيسية كطريقة للتعبير عن دعوتهم لإنهاء عمليات قطع الكهرباء.
كما دعا مسؤولو البلديات في دوائر طرابلس الجهات القيادية في الشركة العامة للكهرباء إلى التنحي عن مناصبهم في حال عدم تمكنهم من حل الأزمة، وقد وعدوا بتوسيع دائرة الاحتجاجات إذا ظلت الخدمات الأساسية تشهد انقطاعات متكررة.
التعامل مع الحرارة
غرقت ليبيا في حالة حرب متواصلة منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي سنة 2011 عقب الثورة التي اندلعت خلال الربيع العربي. وقد عانت البلاد في الكثير من الأحيان من انقطاع التيار الكهربائي في السنوات الأخيرة، مع استمرار الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد. وبسبب ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير عادية، لجأ العديد من الليبيين إلى قضاء فترات طويلة على البحر للهروب من حرارة منازلهم خلال انقطاع التيار الكهربائي.
ومع سواحل تمتد على أكثر من 1200 ميل، تمتلك الدولة الواقعة شمال أفريقيا أكثر الشواطئ نظافة في أفريقيا. وقد قام سكان مدينة زوارة الساحلية بنصب الخيام على طول الشاطئ في محاولة للهروب من شمس النهار الحارقة. ويوفر نسيم البحر البارد وظلال الخيام للسكان فترات راحة قصيرة من الحرارة.
وحيال هذا الشأن، تساءلت إحدى متساكنات مدينة زوارة وتدعى فريحة قائلة: “ما هذه الحياة؟ نحن لا نمتلك حتى الأساسيات. عند انقطاع الكهرباء، يفقد بعض المتساكنين القدرة على الحصول على المياه الجارية. تخيل أنه لديك طفل صغير أو فرد مسن في العائلة ويتركونك دون ضروريات مثل الماء أو الآلات الطبية على غرار مضخات الأوكسيجين”.
وعلى الرغم من أن حرارة النهار تعد أسوأ في بداية فترة العصر، إلا أن السكان يفضلون قطع التيار الكهربائي خلال النهار على أمل أن يتمكنوا من النوم بشكل مريح عن طريق استخدام مكيفات الهواء ومراوح التهوية في الليل. في الواقع، أودت هذه الظاهرة المتكررة بحياة العديد من الأرواح في السنوات الأخيرة، خاصة الأطفال حديثي الولادة ولا سيما أولئك الذين ولدوا قبل الوقت المحدد، والذي يقعون في الغالب ضحية لموجات الحر الشديدة.
وتعتبر الحاضنات وسيلة مهمة جدا لسلامة هؤلاء الرضع، لكن مع افتقار العديد من المستشفيات إلى المولدات الخاصة بهذه الآلات تكون النتيجة بالنسبة لعدد كبير من الرضع، خلال انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، الموت. ولا يعد الرضع والأطفال هم فقط الأكثر حاجة إلى عناية طبية مستمرة، لأن كبار السن هم أيضًا من أكثر الفئات تضرراً.
وفي هذا السياق، صرحت إحدى السيدات لموقع “ميدل إيست آي” عندما كانت بصدد الضغط على جبين أمها بضمادة مبللة أن “الحرارة تتسبب في إضعاف والدتي التي تعاني من حمى لعدة أيام، وهي تبلغ من العمر 90 سنة. إن هذا ليس عدلا”.
ترك الطلاب في الظلام
تزامنت موجة الانقطاعات مع فترة إجراء الطلاب الاختبارات النهائية لشهادات الثانوية العامة. وتعتبر هذه الشهادة، التي تعد أعلى مؤهل أكاديمي في المدارس، مهمة للغاية للطلاب لمواصلة دراستهم في الجامعات أو غيرها من مؤسسات التعليم العالي. ومع ذلك، أعاق انقطاع التيار الكهربائي المتكرر لفترة طويلة قدرة الطلاب على التحضير للامتحانات.
في هذه الصدد، صرحت الطالبة في المدرسة الثانوية، نور عاصم، خلال حوار أجرته مع موقع “ميدل إيست آي” أنه “بينما تحاول أن تدرس، يتم تركك فجأة في الظلام. بعد ذلك، تقوم باستخدام هاتفك للحصول على الإنارة أو مصباح قابل للشحن لكي تواصل الدراسة، ولكن بعد ذلك ينتهي الشحن وتبقى في الظلام”.
وأضافت نور أنه “عندما يصبح الجو حارًا جدًا، نفتح النوافذ للسماح بدخول بعض الهواء، ولكن بدلاً من ذلك، كل ما نحصل عليه هو البعوض. في الحقيقة، من المستحيل القيام بأي عمل في هذه الظروف. إنهم يريدوننا أن نفشل”. فضلا عن ذلك، عانى أصحاب المشاريع التجارية من انقطاع التيار الكهربائي، لا سيما أصحاب المتاجر، الذين يعملون في قطاع الأغذية.
من جانب آخر، ساهمت عمليات انقطاع التيار الكهربائي المنتظمة والمباغتة في تضخم أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء البلاد. ونظرا لانقطاع التيار عن الثلاجات والمجمدات والمبردات الأخرى، زادت نسبة هدر الأطعمة، مما أجبر التجار على زيادة أسعار المخزونات للتعويض عن الخسائر التي يتكبدونها. بالإضافة إلى ذلك، عندما ينقطع التيار الكهربائي، تتلاشى إشارات الهاتف المحمول والإنترنت، مما يعرقل عمليات الاتصال. كما تضررت الأجهزة الإلكترونية جراء الاندفاع الكهربائي العشوائي والمتكرر، الذي أصبح شائع الحدوث في معظم المدن.
خطر يهدد شبكة الطاقة
مع استمرار انقطاعات التيار الكهربائي، حذرت الشركة العامة للكهرباء في ليبيا من انهيار شبكة الطاقة الوشيك، وفقا لما ورد في وسائل الإعلام المحلية. وخلال مؤتمر صحفي عقد خلال الشهر الماضي، صرحت الشركة أن “الحل الوحيد للتقليل من انقطاعات التيار الكهربائي المتكررة في الوقت الحالي هو أن تلتزم جميع المناطق بتقنين الكهرباء، مما سيساهم في حصول انقطاعات قصيرة في أوقات مختلفة في جميع المناطق، ويضمن أن الاستخدام لا يتجاوز قدرة المولدات”.
في المقابل، رفضت بعض محطات توليد الكهرباء تقنين الكهرباء، رافضة قطع الكهرباء عن السكان. وفي سياق متصل، أضافت الشركة العامة للكهرباء أن “بعض الجهات تستخدم القوة لتبقى خارج نطاق عمليات انقطاع التيار الكهربائي. وحيال هذا الشأن، أفاد أحمد، أحد سكان منطقة النجيلة بطرابلس، خلال حوار أجراه مع موقع “ميدل إيست آي”: “نسمع عن أماكن لم تشهد قط انقطاعًا في الكهرباء، مثل الزاوية وجنزور”.
وأضاف أحمد أن “هذا أمر منطقي، حيث يوجد في مدينة الزاوية الميناء النفطي، فضلا عن أن جنزور تعد قاعدة إحدى الميليشيات الرئيسية في العاصمة”؛ مشيرا إلى مناطق أخرى في غرب ليبيا. من جانب آخر، تضع الشركة العامة للكهرباء المسؤولية على عاتق العديد من محطات توليد الطاقة؛ بما في ذلك محطة توليد الطاقة في الزاوية، التي ترفض الالتزام ببرنامج تقنين الكهرباء لمنع حدوث أي انهيار محتمل لشبكة الطاقة.
في هذا الصدد، أفاد مسؤول في الشركة العامة للكهرباء خلال مؤتمر صحفي قائلا: “لقد وعدنا أنه سيكون هناك سبعة ميغاواط متاحة للاستخدام خلال صيف سنة 2018. ومع ذلك، فإن الهجمات وعمليات انقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة إلى مشكلات أخرى، حالت دون حدوث ذلك”.
وتحث الشركة المواطنين على الحد من استهلاكهم للكهرباء كجزء من خطة تقنين الكهرباء، مطالبة إياهم بعدم وصل غلاياتهم بالكهرباء خلال أشهر الصيف، وعدم ترك مكيف الهواء يعمل في حالة عدم وجود أي شخص في المكان.
في المقابل، تعد عملية توفير الكهرباء بالنسبة للكثير من السكان أمرا صعبا عندما يتم تمضية معظم الوقت من دونه. وفي شأن ذي صلة، قالت مها من طرابلس أنه “حالما تعود الكهرباء، تشتغل جميع وحدات تكييف الهواء في شقتهم؛ مشيرة إلى أنهم يملكون ثلاثة ويضعونهم جميعًا في أعلى مستوى على أمل أن تظل الشقة باردة لفترة طويلة حتى بعد أن ينقطع الكهرباء مرة أخرى”.
التدوينة موجة الحر وانقطاع الكهرباء 14 ساعة يوميا تزيد من معاناة الليبيين ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.