طرابلس اليوم

الأربعاء، 1 أغسطس 2018

الأزمة الاقتصادية في قلب الخلافات الحدودية بين تونس وليبيا

,

يجب أن تتحمل الدولة التونسية مسؤولية خلق فرص اقتصادية بديلة، لفائدة العاملين ضمن شبكات التهريب في الجنوب.

 

على بعد أميال قليلة من معبر رأس جدير، الذي يمثل أهم معبر حدودي بين تونس وليبيا، رفعت لافتة مكتوب عليها “تسيبوا نسيبو”.

هذه العبارة التي تعني “إذا فتحتم المجال سوف نفتح المجال” ، تلخص بشكل ممتاز الخلاف الحاصل، والذي أدى إلى غلق المعبر خلال الأسابيع الأخيرة. إذ أنه على الجانب الأول تم غلق المعبر من قبل السلطات الليبية، وعلى الجانب الآخر قام بعض المهربين بالاعتصام وغلق الطريق الوحيد المؤدي إلى هذا المعبر، قرب مدينة بن قردان في جنوب شرق البلاد.

ويبدو أن كلى الطرفين مصران على موقفهما، حيث أن وزير الداخلية الليبي أعلن أنه سوف يواصل غلق الحدود، متعللا بوجود مخاوف أمنية بشأن سلامة المسافرين الليبيين.

 

وفي الأثناء قدم المحتجون على الجانب التونسي مجموعة من المطالب، تضمنت إلغاء رسوم العبور التي تبلغ قيمتها 11 دولارا (30 دينار)، إلى جانب تسريع إنجاز مشاريع التنمية في مدينة بن قردان.

 

الحركية الاقتصادية في المنطقة الحدودية

تمثل شبكات التهريب مصدر العيش الأساسي لسكان المدن الحدودية في الجنوب التونسي، وفي كل يوم يتواصل فيه غلق المعبر، هنالك خسائر هائلة يتكبدها الآلاف من التجار المحليين الذين يعبرون الحدود بشكل يومي.

ولكن ما الذي أدى بالبلدين إلى هذه الطريق المسدودة؟

 

في قلب هذا الخلاف الدائر، هناك مسألة تصاعد التوترات حول تنظيم وتقنين عمليات التهريب على الحدود التونسية الليبية. إذ أنه على مدى العقود الماضية، كانت اختلافات أسعار البضائع، والتهرب من الرسوم والضرائب، واستغلال المواد المدعمة حكوميا، فرصة مواتية لخلق حركية اقتصادية حدودية، مكنت من خلق فرص شغل لآلاف، إلى جانب انتقال كميات هائلة من البضائع بين الجانبين، خاصة النسيج والوقود والغذاء والسجائر والأجهزة الإلكترونية.

 

وإبان حكم زين العابدين بن علي ومعمر القذافي، كانت السلطات في البلدين تتسامح مع هذه الأنشطة، باعتبارها حلا رخيصا لتوفير الدخل اللازم للفئات المهمشة اقتصاديا من الشعب، إضافة إلى اعتمادها كقناة لكسب الأموال من طرف النخب الحاكمة في البلاد. ومنذ سنة 2011، ورثت حكومات ما بعد الثورات هذا النموذج الاقتصادي الحدودي، ولكنها افتقرت لرؤية واضحة وموحدة لتغيير هذا الوضع بالشكل الذي تريده. ومن دفع الثمن هم سكان المدن الحدودية على الجانبين.

 

أما على الجانب الليبي، فإن التوترات تزايدت في السنوات الأخيرة، باعتبار أن بعض المواد التي يتم تهريبها كانت مدعمة من الدولة، وهو ما يعني خسائر مالية فادحة لهذا البلد. وفي نفس الوقت، فإن الطلب على هذه البضائع زاد من حجم أنشطة التهريب، وأدى لرفع الأسعار، وتسبب أيضا بنقص في هذه البضائع في ليبيا.

 

الأزمة الاقتصادية

مع تعمق الأزمة الاقتصادية التي تعيشها ليبيا، أصبحت محاصرة شبكات التهريب على رأس أولويات السلط المحلية والميليشيات المسلحة. وبشكل خاص تصاعد الخلاف حول تهريب الوقود، وخلال العام الماضي، في ظل حالة الغضب التي عمت غرب ليبيا، تم تعديل الاتفاقات غير الرسمية المبرمة بين الجانبين لتنظيم التهريب، ليتم خفض كمية الوقود المسموح بها. وكنتيجة لذلك، فإن ثمن الوقود الذي يستخدمه سكان الجنوب التونسي تجاوز ثمنه الضعف.

 

وفي نفس الوقت، أدى تفتت السلطة في غرب ليبيا، إلى جانب المصالح الاقتصادية الهامة لبعض المجموعات المحلية المستفيدة من نشاط التهريب، إلى عرقلة الوصول إلى حلول جذرية ودائمة.

 

وعلى الجانب التونسي، واصلت حكومات ما بعد الثورة غض الطرف عن اقتصاد التهريب في المناطق الحدودية في الجنوب. ورغم تعدد التعهدات بشن حملة ضد هذا القطاع، وبعض عمليات اعتقال المهربين التي كانت تقوم بها الأجهزة الأمنية من وقت لآخر، وإنشاء جدار على طول الحدود بين تونس وليبيا دون أي فائدة، مثلت كل هذه الخطوات مجرد تمثيلية سياسية تهدف إلى امتصاص الغضب في الداخل والخارج.

 

وقد فهمت مختلف الحكومات التونسية منذ 2011 أن اعتماد المدن الحدودية على نشاط التهريب لتأمين عيشها، واقتنعت بأن السعي وراء فرض القانون بالقوة سوف يؤدي لتقويض الاستقرار في المنطقة. وفي نفس الوقت، أدت الإجراءات التقشفية الجديدة، وشبكات النخبة المتنفذة من رجال الأعمال، لمزيد عرقلة الحصول على استثمارات من أجل إنشاء مشاريع تنموية، لتكون بديلا حقيقيا عن إقتصاد التهريب.

 

ويبدو أن الخلاف الدائر في معبر رأس جدير يعكس التحديات التي تواجهها السلطات في تونس وليبيا، في سبيل التفاوض لتنظيم العلاقات بينهما في عالم ما بعد2011. ولسوء الحظ، فإن هذه الأنشطة الاقتصادية في المدن الحدودية، سلطت ضغطا سلبيا على هذه العلاقات، إذ أن سلسلة من المداهمات وغلق الحدود والطرقات التي تمت في 2014، مثلت حينها اختبارا صعبا لصبر وموارد السكان المحليين.

 

المزيد من التصعيد

في ظل غياب أي قنوات سياسية رسمية للتواصل مع السلطات في غرب ليبيا، اعتمدت الدولة التونسية بشكل كبير على مجموعة من الوسطاء المحليين، من نشطاء المجتمع المدني والتجار والسياسيين المحليين، من أجل التواصل مع الجانب الآخر من الحدود وتجنب المزيد من التصعيد. وربما تنجح هذه المساعي ويتم فتح الحدود مرة اخرى، ولكن مع فرض قيود إضافية حول تهريب المواد المدعمة، وسيبقى هذا حلا هشا ومؤقتا.

 

كما كثر الحديث في الفترة الأخيرة حول المخاطر التي تمثلها ليبيا، في ظل الحرب الأهلية الدائرة فيها، على أمن واقتصاد تونس. ولكن في المقابل، لم يتم إيلاء أهمية لحقيقة أن تحقيق الإستقرار في ليبيا سوف يمنح السلطات هناك القدرة على وقف إقتصاد التهريب، وهو ما قد يطلق شرارة الاحتجاجات والاضطرابات في جنوب تونس.

 

ومن أجل التفكير في حل لهذه المعضلة، يجب أن تتم إعادة فتح قنوات الحوار المكثف، في المجالين السياسي والاقتصادي، بين الدولة التونسية وسكان مدنها الحدودية في الجنوب، والتركيز على النقطة الأخيرة ضمن لائحة مطالب المحتجين، وهي خلق منوال اقتصادي بديل عن شبكات التهريب.

 

الكاتب: ماكس غاليان / ميدل إيست ٱي

 

التدوينة الأزمة الاقتصادية في قلب الخلافات الحدودية بين تونس وليبيا ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الأزمة الاقتصادية في قلب الخلافات الحدودية بين تونس وليبيا”

إرسال تعليق