عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي
تعد الشعبوية أيديولوجيا أو فلسفة سياسية أو نوع من الخطاب السياسيالذي يقوم على دغدغة عواطف الجماهير بالحجاج الجماهيري ويستعمل لتحييد القوى السياسية المنافسة، حيث يعتمد بعض الساسة والتيارات أو حتى الحكام على اللغة الشعبوية لكسب تأييد الناس والمجتمعات لما ينفذونه أو يعلنونه من سياسات تمس في العادة شرائح مهمشة أو مقهورة أو غير ذات اهتمام في المجتمع ، و هي تساعد المسؤول على الاحتفاظبنسبة جماهيرية معينة تعطيهم مصداقية وشرعية ، ولأن الشعبوية تقوم على مخاطبة عواطف الناخبين بالبيانات والمواقف النفسية فيمكن القول أن تقديم المعلومات والأرقام ومخاطبة عقل الناخب هي عكس اللغة الشعبوية، لذلك عادة ما يتم وصف الشعبويين بأنهم يتبعون معاداة الفكر أو يمارسون عبادة الجهل ، وتقسم الشعبوية المجتمع إلى فئتين رئيسيتين هما الشعب النقي والنخب الفاسدة .
وقد ارتفع أسهم الشعبوية مؤخراً في أوروبا ، حيث تحكم هذه السياسة أو النظرية 6 برلمانات أوروبية مثل المجر وايطاليا ونجحت في إخراج بريطانيا من المنظومة الأوربية الاتحاد الأوربي التي تعتبرها الشعبوية أكبر عدو لها بما تضمه كما يقولون من نخب فاسدة أفسدت أوروبا ، وتعمل ايضاً على استقلال كاتالونيا واقتطاعها من المملكة الإسبانية ، وقد اعتبرت أوروبا العام 2015 العام الأسوأ بتلقي هجمات إرهابية و بصعود هذا التيار لمنصات الحكم والتحكم في أوروبا ، ويمكن اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية اليوم ايضاً من الدول التي يعتلي فيها الشعبويون منصة الحكم بتتويج المثير للجدل خطابياً ترامب للرئاسة وهذا خبر سيء أيضاً لأوروبا .
في ليبيا وفي عالمنا العربي والإسلامي يمكن اعتبار شخصيات مثل جمال عبد الناصر ومعمر القذافي وحافظ الأسد حكاماً شعبويين امتهنوا الخطابات الرنانة وابتعدوا عن الإنجاز ، تمادوا في مخاطبة الجماهير بهمومها وزادوها هموماً فوقها ، فأنتجوا دولاً جغرافية خاوية من فعل الإنجاز وإقامة الدولة الحقيقية .
اليوم وبعد صعود تيار الشعبوية في العالم ونجاحه في أوروبا تحديداً نرى بعض المحاولات المباشرة والغير مباشرة في ليبيا لإقامة حركات مماثلة سواءاً على مستوى شخصي أو على مستوى حركات جماعية ، فمن أهم الدرجات التي يعتليها منظرواالشعبوية هي الأزمات ، وما أكثرها في ليبيا اليوم ، فمثلت هذه الأزمات وجبة دسمة لكثير من الشعبويين بقصد أو دون قصد في تبني هذا الخيار السياسي ، فمن الأمثلة على ذلك هنالك حراك لا للتمديد الذي خرج وأخرج الشارع الليبي في مظاهرات قد تكون مشبوهة نوعاً ما ولكنها خرجت بمطالب حقيقية لامست الشارع العام من أداء المؤتمر الوطني العام وقتها ( قد تكون هذه الأزمات مفتعلة كما يرى البعض ! ) ولكنها تبقى أزمات تقابلها متطلبات .
ما نقص حراك لا للتمديد والذي غطى حراكه بهتافات جماهيرية ضد النخب السياسية حينها هو عدم التنظيم للاستمرارية ، وكأنه حراك مؤقت يبتغي شيئاً معيناً وحينما حقق المبتغى اختفى كبعض الأزمات حين تختفي ، ولنراه اليوم يعود من جديد بمطالب متجددة بعضها بصياغة معادة مستبقاً الاستحقاق الانتخابي والدستوري القادمين .
وثاني الأمثلة على الشعبوية هو السيد عبد الباسط اقطيط الذي استخدم اللغة الشعبوية في مهاجمته كل الأطراف المتصلة بالصراع الليبي تيارات وأحزاب وشخصيات وعمليات ورموز واعتبارهم فاسدين بالمطلق ، وهذا ما تقوم عليه الشعبوية في الأساس وهو مهاجمة الجميع إرضاءاً لروح المواطن ومتطلباته في التشفي من هذه النخب ، وقد نجح فعلاً السيد اقطيط في إثارة الشارع العام والتأثير به ، وسرعان ما خسر اقطيط هذا الزخم بعد أن قرر فجأة الاصطفاف الغير مباشر مع أحد أطراف الصراع فأصبحت قناته الرسمية هي النبأ الاخبارية وثناء الشيخ الصادق الغرياني ورموز تيار دار الإفتاء فوضعت هذه الانحناءات في خطابه علامة استفهام لدى العامة أدت إلى النفور منه .
قاد القذافي ليبيا بلغة شعبوية خالية من العمل الجدي في بناء الدولة ، والأزمات اليوم تحاول أن تعيد لنا أمثلة شعبوية جديدة تستفيد من الأزمة كحراك لا للتمديد والسيد اقطيط والسيد حفتر وغيرهم لنكون على موعد مع أفكار تسلطية جديدة لن تنتهي مغامراتها إلا بقيام دولة المؤسسات بنظام ديمقراطي قويم يجعل من المسؤول والحاكم الليبي يتربع بفعل لا بقول ، وهذا ما كنا نبغ .
التدوينة الشعبوية والحالة الليبية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.