طرابلس اليوم

الاثنين، 16 يوليو 2018

الربيع الليبي والربيع التركي

,

عبد السلام الراجحي/ كاتب ليبي

في منتصف يوليو 2016 كانت المنطقة تشاهد بانبهار تضحيات وبطولات الشعب التركي عند نزول مئات آلاف من شباب وعجائز الأتراك للدفاع عن مدينة دولتهم والمحافظة عن تركيا الحرية والديمقراطية، يومها تصدى الشعب التركي لدبابات الانقلاب بشجاعة، ويومها قادهم رئيسهم المنتخب رئيس نجاحات تركيا وازدهارها اقتصاديا وخدميا.

المحاولة الانقلابية في تركيا لو نجحت تلك الليلة لكان الانقلاب العسكري الخامس في تاريخ تركيا الحديث، بعد قيام الجمهورية التركية على يد كمال أتاتورك فقد تمكن الجيش التركي في أربعة انقلابات سابقة الإطاحة بحكومات منتخبة كان أولها  في شهر مايو 1960، وثانيهما في شهر مارس 1971، أما ثالثها كان في سبتمبر 1980، والانقلاب الرابع في فبراير1997.

الانقلابات الأربعة نجحت ولم يقم الشعب التركي بالتصدي لأي منها رغم أنه خاض تجربة حكم العسكر وخَبِر كيفية قيادته البلاد، فالشعب التركي ومنذ حرب التحرير التي قادها مؤسس تركيا الحديثة “كمال أتاتورك” لم يخض معركة واحدة لنيل حريته من العسكر، بل أن عسكرهم كان وما يزال عسكر وطني بخلاف عسكرنا، وحتى الانقلابات كان العسكر التركي يعتقد أنه يحمي بها تركيا بعكس عسكرنا الذي يطمح للوصول إلى السلطة عبر الانقلابات العسكرية، فالجيش التركي عقيدته التي نشأ عليها هي أن يكون ولاءه للوطن، أما عسكرنا فعقيدته التي نشأ عليها أنه هو فقط من يحق له القيادة والسيطرة على إدارة البلاد وأن الرجل المدني لا يستطيع القيادة هذه التربية التي تربوا عليها في الكليات العسكرية لعسكر مصر.

الجيش التركي وبعد كل انقلاب عسكري يعيد النظام الديمقراطي للعمل من جديد، أما الشعب الليبي بعد تجربته مع أول انقلاب عسكري بقيادة الملازم معمر القذافي في سبتمبر 1969 تعلم الدرس جيدا وتصدى للانقلاب الثاني بقيادة خليفة حفتر وبعد أربعة سنوات لا يزال الكثير من أبناء الشعب الليبي يبذل التضحيات الجسام لإفشال الانقلاب الثاني بعكس الشعب التركي الذي تعلم الدرس بعد أربع تجارب انقلابية.

واعتقد أن الليبيون أكثر وعيا بمخاطر حكم العسكر من الشعب التركي، فنحن في ليبيا تجربتنا الديمقراطية وليدة ومازالت متعثرة ولا نملك نجاحات تنموية واقتصادية مثل الأتراك، ومع هذا فالليبيين دافعوا عن مدنيتهم الوليدة ودفعوا الفاتورة الأكبر للحفاظ على حريتهم بشجاعة عشرات الآلاف من الذين هجروا من بيوتهم لرفضهم انقلاب حفتر وقصفت مدن وفقدت الآلاف من الأرواح ناهيك عن الجرحى الذين تصدوا لقوات حفتر الذي يقود مشروع انقلابي تقف ورائه دول كبرى غنية وتدعمه لينجح.

تقدم له دعم متنوع بالسلاح الحديث والأموال الطائلة ودعم من مخابرات واستخبارات ودبلوماسية “البترودولار” فتشتري الإعلاميين والصحفيين والنشطاء والحقوقيين وشيوخ قبائل ورجال دين، وكذلك تؤسس قنوات فضائية ومئات الصفحات في الفضاء الإلكتروني على مواقع “توتير” و”فيس بوك”.

وتشتري دبلوماسيين أوروبيين وتدفع لشركات العلاقات في واشنطن، وكذلك نجحت في دفع رشاو لشراء ذمم المبعوث الأممي إلى ليبيا السابق برنالدينو ليون بملايين الدولارات سخرت لشيطنة المدافعين عن حريتهم ومدنية دولتهم بتهم معلبة جاهزة كالإرهاب والتطرف، وبعد كل هذا وأكثر وبعد سنوات أربع لازال الشعب الليبي يكافح ببسالة لإخماد نار الانقلاب وإفساد مشروعه.

فالشعب التركي خرج للدفاع عن مشروع مكتمل وناضج وناجح، خرج يدافع عن واقع معيشي لامسه على الأرض، أما نحن في ليبيا خرجنا للدفاع عن حلم عاش ولازال يعيش في وجداننا لسنوات، حلم تعثر كثيرا ولكن مع هذا تستمر التضحيات حتى يتحقق.

 

التدوينة الربيع الليبي والربيع التركي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الربيع الليبي والربيع التركي”

إرسال تعليق