طرابلس اليوم

الأحد، 15 يوليو 2018

النفط سبب المشكلة أم جزء من الحل؟

,

عبد القادر الاجطل/ صحفي وكاتب ليبي

في ظل ما شهدته البلاد منذ أكثر من أربعة عقود … فإن طرح السؤال عن السبب الرئيس لما حل بها يصبح منطقيا.

لقد استقلت بلادنا منذ قرابة الستين سنة، وتركيبتها السكانية قريبة من التجانس، واُكتشف فيها النفط منذ أكثر من خمسين سنة، ومساحتها أكثر من مليون وسبعمئة كيلو متر مربع، وساحلها على البحر المتوسط يمتد لقرابة الألفين كيلو مترا، ومناخها معتدل في معظم الفصول، وشمسها ساطعة، وهواؤها نقي، ومنتجاتها الزراعية متنوعة، فالبرتقال والزيتون غربا والتمر جنوبا والتفاح والعنب والفواكه شرقا، والقمح والشعير في معظم مناطق البلاد، المياه الجوفية متوفرة تغذيها أمطار موسمية وأنهار تجري في الأعماق تحت الصحراء، والشمس والرياح مصادر للطاقة النظيفة لم تستغل بعد.

فلماذا حصل انقلاب عسكري في ليبيا التي كانت تشق طريقها نحو التنمية الشاملة بخطى ثابتة؟

ولماذا لم تنجح الأنظمة المتعاقبة في النهوض وصياغة نموذج حضاري ليبي يُحتذى كما حصل في بلدان أخرى من العالم شرقا وغربا؟

ولماذا تحولت الثورة التي شهدتها البلاد عام 2011 إلى حرب أهلية لم تنطفئ جذوتها حتى الآن؟

طرح “مايكل روس” في كتابه عن النفط وعلاقته بالتنمية والحريات والديمقراطية في البلاد المنتجة له الذي سماه “نقمة النفط”، طرح

فيه مقاربة للإجابة عن هذه الأسئلة تبدو بسيطة في ظاهرها ولكنها محاولة جديرة بالاحترام لتفسير ما ترزح تحته معظم الدول المنتجة للنفط من استبداد وما تعانيه من مظالم وقمع للحريات وما تعانيه من حروب أهلية وانقلابات عسكرية

الكاتب اعتمد على معلومات عن النفط جمعت من مئة وسبعين بلدا ليكتشف العلاقة بين النفط والإخفاقات السياسية والاجتماعية وبشكل أظهر الاقتصادية، وكيف تجنبت بعض الدول هذه العلاقة السيئة بين الثروة النفطية والفشل السياسي.

الملك إدريس السنوسي عاهل المملكة الليبية رحمه الله تعالى نقل عنه الكاتب في فصل “المفارقة في ثروة الأمم” أنه عندما أُبلغ باكتشاف “اتحاد الشركات الأمريكية” للنفط في ليبيا علق قائلا: أتمنى لو أنكم عثرتم على مياه.

 روس يقول في كتابه: إن البلدان في العالم الذي وصفه بالنامي كانت قبل 1980 جميعها منتجة للنفط وغير منتجة متساوية في احتمالات خضوعها لحكومات استبدادية ومعاناتها من حروب أهلية ولكنه يؤكد أنه بعد ذلك التاريخ صارت الدول النفطية أكثر عرضة للاستبداد بنسبة 50% من الدول غير المنتجة للنفط كما أن احتمالات نشوب حروب أهلية فيها تصل إلى ضعف احتمالات تفجرها في دول غير نفطية … وختم قائلا لقد أدت الجيولوجيا الجيدة إلى سياسات رديئة وفاسدة في هذه الدول على الأقل منذ 1980 حسب وصفه.

الكتاب يتبنى وجهت النظر التي تقول إن التخلف السياسي والاقتصادي وربما الاجتماعي الذي تعاني منه منطقتنا التي تحوي الاحتياطيات النفطية الأكبر في العالم يعد النفط هو السبب الأظهر له حسب زعمه رغم وجود أسباب أخرى.

روس يعتبر النرويج وكندا وبريطانيا وأمريكا استثناء من القاعدة فهى بلدان ذات دخول عالية واقتصادات متنوعة ومؤسسات ديمقراطية راسخة رغم أنها تستخرج الكثير من النفط.

ولكن هل فعلا هناك تناسب عكسي بين النفط والديمقراطية ؟… وهل يرتبط دخل الدول من النفط بالاستبداد؟

  بسبب ارتفاع نسبة الإنفاق الحكومي قياسا بايرادات الحكومة، وأيضا وبحسب الكتاب بسبب سرية الحكومات والافتقار إلى شفافية الميزانية إضافة إلى تقييد وسائل الإعلام في تلك البلدان.

صاحب الكتاب ذكر في الفصل الخامس “العنف القائم على النفط” أن 16 مليون إنسان ماتوا في حروب أهلية بين عامي 1945 وعام 1999 مؤكدا أن احتمال تعرض البلاد النفطية للحروب الأهلية يزيد بنسبة 50% عن غيرها من البلاد منذ مطلع عقد التسعينات، مشيرا إلى أن خطر اندلاع حروب أهلية ترتكز على النفط سيبقى في ازدياد ما دام النفط يستخرج من البلاد الأشد فقراً.

النفط يوفر المال الذي يعد الوقود الأهم للحرب فبالمال يجند الرجال وتتوفر الأسلحة والذخائر بحسب صاحب الكتاب… ولا يخفى عمومية هذا التفسير وبعده عن الدقة.

ويوضح صاحب الكتاب أنه إلى جانب النفط فإن هناك عوامل أخرى تزيد من احتمالات الحروب الأهلية ومنها انخفاض دخل الفرد والنمو الاقتصادي البطئ وارتفاع عدد السكان ووجود دول جوار غير ديمقراطية.

والخلاصة فعلى الرغم من أهمية الكتاب في موضوعه … إلا أنه لم يزد على التأكيد أن النفط يعزز قدرات الدول على البناء إذا أحسنت التعامل معه واستثمار الثروات التي تأتي منه.

ولكنه قد يكون سببا للحروب والفساد والاستبداد -لا قدر الله- إذا أسيء استخدامه واستأثرت به فئة محدودة على حساب الغالبية العظمى من الناس وهو ما يحدث عندنا للأسف.    

التدوينة النفط سبب المشكلة أم جزء من الحل؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “النفط سبب المشكلة أم جزء من الحل؟”

إرسال تعليق