عبد الرحمن المنتصر/ صحفي وكاتب ليبي
كنت أسمع صوت الأنين لكني لم أكن مستعداً لسماع مأساة أخرى ، مازال غبار الوقت يثقل هادباي ، ولم أكن أستطيع الركض بعد ، مازلت اسمع حشرجة أصواتهم ووطأ أقدامهم وبعضاً من الصياحات المتناثرة هنا وهناك ،ضبابية الصورة تستدعي فكرة اني أستنجد الموت أن يقفل مأساتي وقد مضى من عمري عشرة أعوام ، تساقط فيها شعر رأسي رغم أنه لم يصبغ بشيبة واحده بعد ، ها قد استمر نفسها المضطرب سني كثيرة ، مرت بكل الأطباء، لبست سُترا عديدة ، مرة زرقاء ومرة بيضاء ، تقترب للنهاية حيناً ثم لا تأتي ، تقول انسجتُها الهزيلة إنني ما عدت أجد نفسي قادرة على كبح جماح سرطانك الذي استباحني ، حرَّم النوم على أجفاني لا أنسى حين رأيت خيالهم في غرف العناية الفائقة وهم وسط حيرتهم ولن اتناسى دموع أمي وقد ملأت غرف الإنعاش وهي تقول : متى ألقاك يوما معي يسند بعضنا الآخر في غربة الحياة ووحشتها ؟ كانت العبارة برغم رقتها قاسية على قلب أمي ، ملامح أبي الباهتة هي الاخرى تائهة شاردة خلف نوافذ غرف المتابعة ، ضعف الحيلة باد عليه ، هذا ما كان يدخلني عصر التأملات البعيدة والغياب في الوجع العميق الممتد خلف جدارية دائرية التصميم توحي بالاتصال المستمر لغير حد يأمل ولا نهاية تقدر وفي صميم الضارعين لربهم استجدي أنفاسي ان تهدأ وتستكين فلا أفيق الا على مسيل دموعي وهي تستبيح ما تبقى من ملامح خدي المخيفة إلا قليلا ،أحاول ان أخفي بجعد شعري وجه الأسى وقد كنت اصغر عائلتي واكثرهم دلالا ؛ لكني لم استطع أبدا ان اكون سبب سعادتهم فقد تمكن المرض مني وارهق نضارتي ، في ذلك اليوم لاحظة أمي أني أسعل بشكل مستمر وبطريقة لافتة مخيفة حاولت كأي أم أن تتطبيبني ولم تكن تعلم أنه قد يصعب هذه المرة أن تعالج سعالي كما كانت تفعل من قبل بغير اللجوء لطبيب وصيدلية ، لقد اعتقدت أنه البرد كما هو الغالب في مثل هذا الوقت من السنة ، نامت بجانبي فاكتشفت أني اتنفس بمشقة وصعوبة ، أفزعها ما رأت أخذتني وأبي صباحا إلى المشفى وبعد الكشف الأولي أدخلتُ بطلب فوري ملزم من الطبيب المتابع لقسم التصويرالمقطعي وفورخروج الصورة منه اجتمع الأطباء ودار بينهم كلام و نقاش علت فيه الاصوات و تبدلت فيه الملامح ، كلَّ شيئ حولهم بدا مختلفا وبين التفاتة عين وانتباهتها قرّر الأطباء استدعاء أبي في غرفة خاصة وخبَّروه أن ابنتك مصابة بسرطان الرّئة ويجب الرضوخ للعلاج الفوري ، اندهش أبي مما سمع وسأل بجزع سرطان !! ماهي الاسباب ؟
مالذي يجعل فتاة لم تتجاوزالعاشرة من العمر تتعرض لمثل هذا المرض ؟
قاطعه الطبيب المختص قائلا : يا سيدي لابد أن نبدأ بالعلاج قبل أن يتمكن المرض من ابتكم ، تفهم أبي خطورة الموقف ورغم تكاليف العلاج الباهضة الا ان ابي وافق على البدأ بالعلاج الفوري ؛ لكن السؤال الذي مازال يلوح في ذهن أبي ، لماذا اصاب هذا المرض الخطير الفتاك بسمة في مثل هذا العمر ؟
أجابه أحد الأطباء مخبراً أنها قد تكون متعرضة لنوع من الأشعة الضارة لفترات طويلة جراء المصانع المجاورة لإقامتكم ، قرر أبي حينها أن ينقل مكان اقامتنا بعيدا عن مصنع الاسمنت المجاور لنا معتقداً أنه السبب فيما حصل معي ، وبعد سنة من المتابعة اليومية خرجت بسمة من المشفى وقد بدأت تتماثل للشفاء وكان الطبيب ينصحها بالحرص على الابتعاد عن المصانع كمصدر محتمل للاشعة الضارة فالنحذره جميعا ” عفانا وعفاكم الله ” .
التدوينة بعد الخسوف ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.