طرابلس اليوم

السبت، 23 سبتمبر 2017

الأفارقة المسلحون في الجنوب حرب وقودها الليبيون ومقدراتهم

,

عبدالمنعم الجهيمي/ صحفي من سبها

حالة طبيعية ناتجة عن انعدام معالم الدولة في ظل النزاعات المحلية بالمنطقة الجنوبية، ذلك الوصف الذي قد ينطبق على التواجد الإفريقي في بلدنا، حيث امتلأت مدن وقرى مختلفة في الجنوب بالمقاتلين الأفارقة، الذين جاء بعضهم في مجموعات منتظمة تحالفت مع أحد أقطاب الصراع، وبعضهم جاء بشكل فردي بحثا عن لقمة العيش ليجد نفسه ممتشقا السلاح ويقاتل على أرض غريبة.

ولكن قبل أن نتحدث عن أماكن تواجد الأفارقة بالجنوب وماهية عملهم، أحب أن أتناول العوامل التي تساعدهم على التواجد والنشاط في هذه البقعة دون غيرها، ولعل العامل الأكبر كما ذكرت هو فقدان معالم الدولة وانعدام السيطرة على الحدود.

ويعتبر العامل الاجتماعي مهم هنا، حيث توجد في الجنوب مكونات اجتماعية لها امتدادات وأفرع داخل دول إفريقية، فالقبائل العربية مثل أولاد سليمان والقذاذفة وورفلة والحساونة وغيرهم هاجرت على فترات إلى تشاد والنيجر وشكلت مجتمعات هناك استمر تواجدها لعشرات السنين، خلالها اختلطوا بالأفارقة واقتنوا منهم العبيد وتزوجوا منهم وتاجروا معهم، وصارت طبقة من هولاء الأفارقة مرتبطة بشكل أو بآخر بهولاء، وعند عودتهم إلى ليبيا إبان حكم النظام السابق في ثمانينيات القرن الماضي؛ جاء معهم الكثير من مواليهم ومن عاش معهم، كما ظل جزء منهم هناك ولم يعد إلى ليبيا، بالمقابل للتبو امتدادهم خارج ليبيا وكذلك للطوارق.

على مر السنين الماضية يشعر هولاء جميعهم بإنتماءهم إلى بعض بحكم صلة الدم والنسب، وكان القذافي أول من كرس لفكرة الاستعانة بالمقاتلين الأفارقة إبان الحرب التي خاضها للدفاع عن حكمه عام 2011.

بعد سقوط النظام السابق عمت الفوضى ولا تزال في الجنوب، وكانت هذه الفوضى عامل جذب للأفارقة سواء من الذين كانوا يملكون صلة قرابة بالمقيمين في ليبيا أو لايملكون، فقد انقسمت القبائل وتشكل لكل منها مجموعات مسلحة، ولم تلبث قليلا حتى دخلت في صراعات حول النفوذ وبسط السيطرة، ولم تكن السياسة بعيدة عن ذلك، فوجدت كل قبيلة طرف سياسي يستغلها لصالحه، وصار كل طرف بحاجة إلى مقاتلين أشداء يضمنون السيطرة والاستماتة في القتال والحفاظ على المكتسبات.

هنا تعززت الحاجة للمقاتلين الأفارقة، وكانت حركات التمرد بدارفور أول هذه المجموعات التي تواجدت بقوة في الجنوب، دخلت هذه الوحدات منذ العام2011 وقاتلت بجانب النظام السابق وعادت لتتمركز في نقاط معينة في الصحراء جنوب البلاد تمارس أعمال الحرابة كالسطو والسرقة بالإكراه والاغتيال والتهريب، قبل أن تقع الاستعانة بها من قبل أطراف الصراع بالجنوب عام2015، توزعت جهودها بين الفصائل المسلحة التابعة لفجر ليبيا، وأخرى مع الفصائل المسلحة المنتمية لعملية الكرامة، وصار كل فريق يتهم خصمه بالاستعانة بمقاتلين أفارقة، في الوقت الذي كان فيه هولاء يغنمون كل ماتصل إليه أيديهم حتى استتب الأمر لطرف دون آخر.

في جنوب سبها تتواجد مجموعات مسلحة من قبائل تشادية الأصل وتعيش في صدام دائم مع حكومة انجامينا، بنفس الطريقة تمكنت هذه المجموعات من التغلغل حتى وصلت إلى قلب الجنوب واتخدت من المزارع والأحراش القريبة من المدينة مستقرا لها، وتستغل الخلالفات بين قبائل المدينة لتظهر بين الفينة والأخرى وتمارس بعض أعمال الشغب والنهب.

في مدن أقصى الجنوب يظهر التواجد الإفريقي أكثر وضوحا، أحياء بكاملها صارت إفريقية بامتياز، حتى أن الطابع الليبي لبعض المدن أصبح باهتا وغير ظاهر، فبعد هذا التدفق غير المسبوق للأفارقة المسلحين وأسرهم، هاجر العديد من السكان إلى سبها وبعضهم إلى طرابلس، بعد أن باع بعضهم منزله وأراضيه، كل شئ في معظم تلك المدن يوحي بتغيير ديموغرافي غير مسبوق، حتى تلك المجموعات المسلحة صار لها اختلافاتها وصراعاتها ومعاركها التي تجري على أرض الجنوب وفي وضح النهار وهو مازاد من تعقيد الموقف.

قبائل وأجناس وحركات ومجموعات متنوعة ومتعددة المشارب والأهواء صارت اليوم عنصرا أساسيا في المشهد الجنوبي، لا توجد إحصائيات أو بيانات أو معلومات دقيقة ترصد تحركات هؤلاء وأماكن تجمعهم، غير أن الأطراف المتحاربة تدرك إلى حد جيد حجم تلك المصيبة التي تجرها على البلاد.

قبل أيام خرج أحد المسلحين المؤيدين للنظام السابق بوادي الشاطئ وسط كوكبة من المقاتلين الأفارقة، الذين ما لبثوا أن تسببوا في اشتباك مع أهالي بلدة آقار الشاطئ، ويعتبر هذا الحدث مؤشرا آخر على مدى سلطة هولاء وقدرتهم على إرباك المشهد وقتما شاؤوا.

يدرك أهالي الجنوب خطورة الوضع ولكنهم لايستطيعون أو لا يريدون التحرك باتجاه مقاومته أو تحجيمه أو إيقافه، فالحسابات القبلية المتداخلة مع المصالح السياسية صارت تلعب دورها في تحريك هذه المجاميع التي قد تودي باستقرار الجنوب إلى الأبد.

التدوينة الأفارقة المسلحون في الجنوب حرب وقودها الليبيون ومقدراتهم ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الأفارقة المسلحون في الجنوب حرب وقودها الليبيون ومقدراتهم”

إرسال تعليق