طرابلس اليوم

الأحد، 24 سبتمبر 2017

لا تقتلوا الجراد !

,

عبد القادر الاجطل/ صحفي وكاتب ليبي

أسراب الجراد الإفريقي من النوعين الزاحف والطيار تهاجم مشاريع زراعية في مناطق الواحات، وتهدد موسم التمور لهذا العام، والجهات المعنية بمكافحة هذا النوع من الآفات تبذل جهدها وتستنفر قدراتها المحدودة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
لقد عشت مع أهلنا في جالو وجخرة وأوجلة بقلبي وكل مشاعري، ودعوت الله أن يوفقهم إلى التغلب على هذا الغازي.
تخيلت أسراب هذا المخلوق وهي تتجه نحو مزارع النخيل ومزارع الخضار والطماطم وتهدد قوت الناس ومصدر رزقهم في إحدى مناطق بلادنا العزيزة، فتذكرت زيارتي لمدينة جخرة وجالو في فترة الشباب وكيف رأينا كرم الضيافة وحسن الاستقبال وذقنا حلاوة رطب اجخرة ولذة فتات جالو وشاهدنا أخلاق المجابرة وزويا والأواجلة، حفظهم الله جميعا ودفع عنهم شر الجراد وجميع الآفات، وعدت من تلك الزيارة مليئا بالامتنان والحب لتلك الواحات والتقدير لأهلها.

ثم عملت في الحقول المجاورة للواحات، وتنقلت بين حقلي مسلة وماجد ومررت بحقل النافورة في زيارات عابرة، فشعرت ببعد البون بين ما تنتجه هذه الحقول ويتحول إلى ذهب، وبين ما يعيشه سكان هذه الواحات من تهميش وافتقار لأبسط المقومات، على الرغم من أنهم أكثر من يتضرر من أثاره ودخان ناره.

وهذا الأمر –سوء توزيع الموارد- لن يعالج إلا بدولة تعطي كل ذي حق حقه دون إفراط ولا تفريط وتوزع الموارد على المناطق بحسب الحاجات والمتطلبات وليس بحسب القرابة والوجاهات.

ونعود لما نحن بصدده من الحديث عن الجراد الذي أثار شجونا قديمة متجددة.
ففي هذا الوقت العصيب الذي يحتاج الناس في تلك الأنحاء إلى التحفز والتعاون والتعاضد لمواجهة الآفة المحدقة بهم، رأيت صفحة فيسبوك من الواحات تنشر حديثا للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الجراد صفحة “قناة الواحات السلفية”.
http://ift.tt/2fjV3jv
وتنقل عن علامة الحديث الشيخ الألباني رحمه الله تحسينه لإسناد هذا الحديث وتضرب صفحا عن نقل شرح الشيخ الألباني للحديث الذي قال فيه “إذا ترتب على وجوده –الجراد- ضرر يصيب النفس والمال والزروع جاز قتله دفعا للضرر”.
فضلا عن تجاهلها للخلاف في تقييم درجة إسناده حيث قال الطبراني: لا يُروى هذا الحديث عن أبي زهير إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل بن عياش ـ وقال ابن كثير: غريب جدا ـ وأورده الهيثمي في المجمع، وضعفه.

وتجاهل الكلام في الإسناد وفقه هذا الحديث هو من قلة المعرفة بالسند والفقه، وعدم فهم مقاصد الشريعة وعدم الإدراك لمقتضى الحال، ولو نظروا بعيدا قليلا من مرمى بصرهم لوجدوا الإمام البيهقي في تعليقه على الحديث في كتابه شعب الإيمان يقول : “وهذا إن صح، فإنما أراد به ـ والله أعلم ـ إذا لم يتعرض لإفساد المزارع، فإذا تعرض له جاز دفعه بما يقع به الدفع من القتال والقتل، أو أراد به تعذر مقاومته بالقتال والقتل” انتهى
والأقوال عن إباحة قتل الجراد الذي يهلك الزرع منقولة عن العلماء بغير نكير وإنما تعمدنا ذكرشيء منها دفعا لسوء الفهم الذي قد ينتج عن إساءة نقل الأحاديث في غير مواضعها.
وما نشره هؤلاء المشغولون بنشر أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم على موقع فيسبوك في الوقت غير المناسب وبطريقة غير مناسبة، يمثل نموذجا لما نعيشه اليوم من فوضى في التعامل مع النصوص الشرعية، وإساءة فهمها والاستشهاد بها في غير المواضع المناسبة للاستدلال، إضافة إلى التعامل مع بعض النصوص بمعزل عن مجمل النصوص التي تعالج نفس الأمر وتتحدث حول نفس القضية وتجاهل المقاصد الكلية للشريعة، فكل ذلك يجعل بعض المتدينين يفسدون من حيث أرادوا الإصلاح ويسيئون وهم يحسبون أنهم في مقام الإحسان.

وقد نسج بعض أهل العلم قصة خيالية لقرود تعيش في جزيرة وسْط البحر، علا عليها المد فغطى اليابسة فلجأت القرود إلى تسلق الأشجار، وبقيت فوق الأغصان حتى عادت المياه إلى سابق عهدها فنزلت القرود إلى اليابسة، فشاهدتْ سمكةً في حفرة مليئة بمياه البحر تغدو وتروح وتتخبط بين جوانبها فظنت القرود أن السمكة توشك على الغرق فأمسكت قردةٌ من القرود السمكةَ وألقتها على اليابسة بغية إنقاذها فما لبثت السمكةُ المسكينةُ إلا قليلا حتى فارقت الحياة.

ضرب ذلك العالم مثلا بهذه القِرَدة التي قتلت السمكة من حيث أرادت  إنقاذها، للمتدين الذي يعظ الناس وينصحهم وهو لا يعلم حقائق الدين ودقائق التشريع، فيوقعهم في الحرج ويضيق عليهم بضيق أفقه وقلة علمه ونقص فقهه، ما وسعه الله سبحانه وتعالى لعباده.

الجراد … ذلك المخلوق العجيب يدور التعامل معه مع تأثيره فيما حوله، فإن أضر بالزرع وأهلك الشجر والنباتات، فالتعامل معه يتخذ شكل الدفاع عن مقومات الحياة وأسباب العيش، وإن كان من القلة والضعف بحيث لم يؤثر وجوده فيما حوله فلا معنى في هذه الحالة لإعلان حالة النفير ودق طبول الحرب على كائن ضعيف لم يتسبب في ضررٍ لأحد.

فيا معشر الناقلين دون بصيرة، الناشرين دون فقه ابذلوا جهدا أكبر لتمحيص ما تنقلون، وتوضيح ما تنشرون، فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه لمن هو أفقه منه.

 

 

التدوينة لا تقتلوا الجراد ! ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “لا تقتلوا الجراد !”

إرسال تعليق