طرابلس اليوم

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

الحل يكمن في المصالحة والمشاركة  

,

عماد المدولي/ صحفي ليبي

لا يخفى على المراقبين للوضع في ليبيا أن الحراك الدولي قد تزايد في هذه الفترة، ويتضح ذلك من خلال الاجتماعات الدولية العديدة وأيضاَ من خلال خطة العمل التي طرحها مبعوث الأمم المتحدة ” غسان سلامة” في الاجتماع رفيع المستوى حول ليبيا على هامش اجتماعات قادة دول العالم بمقر جمعية الأمم المتحدة.

وأثارت  تصريحات “سلامة” الصحفية حول توسيع المشاركة السياسية لتشمل كل التوجهات جدلاً واسعاً بين كل الأطراف الليبية، المبعوث الأممي أكد ضرورة مشاركة الجميع بمن فيهم الإسلاميين وحتى أنصار النظام السابق، بل إن “سلامة” قال إنه لا يمانع حتى في مشاركة نجل القذافي “سيف الإسلام” في العملية السياسية القادمة.

جدل تمحور حول تخوف البعض من عودة أنصار النظام السابق، والتخوف من توسيع المشاركة السياسية أكثر من اللازم فتتعقد الأمور التنفيذية كما يرى البعض الآخر.

في اعتقادي – ويشاركني الرأي العديد من السياسيين – أن “سلامة” قد وضع يده على الجرح الأساسي في الأزمة الليبية، التهميش ومعاداة الغير لأنهم يختلفون معك أو على الأقل لا يتخذون نفس أفكارك وتوجهاتك سواء كانوا من الإسلاميين أو النظام سابق أو حتى من  المحايدين لن يخدم القضية الليبية ولن يحل المشاكل أبدا.

لنكن واقعيين، سياسة تهميش الآخر وعزله لا تنجح إلا في الحلول العسكرية التي تحسم الأمور بغلبة طرف على طرف آخر، وهذا ما شهدناه في كل الدول الديكتاتورية التي كانت تُسير أمورها عبر توجه واحد فقط، فلا مجال هناك للرأي والرأي الآخر، وحتى في هذه الحالات فإن الاستقرار دائما ما يكون مهدداً، وكل التجارب التاريخية تؤكد ذلك، وفي اعتقادي أن الأغلبية لا تؤيد مثل هذا الحسم في ليبيا.

الحل يكمن في المشاركة والمصالحة بين كل الأطراف، لكن في نفس الوقت يجب أن يكون هناك تحديد وتوضيح لهذه المصالحة والمشاركة وعدم فتح المجال دون قيود وضوابط، المجرمون الحقيقيون لا مكان لهم بكل تأكيد، ونضع مائة خط تحت “حقيقيون” الذين يجب أن يتم توجيه الاتهام لهم عبر القنوات الرسمية المتمثلة في المحاكم والقضاء، وبحسب رأيي فإن “سلامة” ذكر سيف القذافي كمثال لا أكثر، للتأكيد على ضرورة مشاركة الجميع، “سيف” يواجه تهماً من قبل القضاء الليبي والدولي، ومن هنا وحتى يحصل على براءته من كل التهم  الموجهة إليه، سيتم النظر في مشاركته من عدمها.

الكل يتهم الكل، هذا فبرايري خائن وهذا أزلام تابع للنظام السابق وذاك إخواني متشدد وغيره علماني فاسد والكثير من الاتهامات التي للأسف جعلت الليبيين مصنفين بحسب أهواء وآراء  الناس المختلفة.

كل هذا العبث يجب أن ينتهي الآن إذا كنا نرغب حقا في إستقرار البلاد وأن نتجه نحو الإصلاح ولم الشمل، غير ذلك فإننا سنراوح مكاننا وستزداد الأحقاد بيننا ولن نصل إلى أي حل، ولنكن على يقين بأنه لن يكون هناك أي منتصر.

الحقيقة، لاحظت أن هناك توجها عاما في الفترة الأخيرة يدعو إلى الصلح وإنهاء الانقسام، ورغم وجود متطرفين من الجانبين الذين يدعون إلى ضرورة سحق الطرف الآخر، غير أن صوت الحكمة بدأ في الظهور أخيراً، قد لا ألوم بعض المتطرفين الذين يتصدرون المشهد فهم لا يعانون من المآسي التي يعيشها المواطن، ولكني لم أجد أي تبرير للمتطرفين والمتعنتين من العامة، في الحقيقة لم أفهم تفكيرهم وعجزت عن تفسيره.

التوجه العام يظهر جلياً في نجاح حراك الخامس والعشرين من سبتمبر – ولو كان نجاحا طفيفاً –  الذي دعا إليه المرشح السابق لرئاسة الوزراء “عبد الباسط قطيط”، حيث خرج المئات من المواطنين في أكثر من مدينة، وطبعاً نستثني منها المدن التي تخضع للقبضة الأمنية والتي لا يؤمن متصدرو المشهد فيها بأي أطراف أخرى في الدولة.

نجاح الحراك في رأيي  يعود إلى أن “قطيط” دعا إلى نبذ العنف ولمّ الشمل والمصالحة بين كل الليبيين، والحفاظ على الهوية وعدم التبعية لأي دولة أخرى، وضرورة استبدال كل متصدري المشهد الذين كانوا سبباً في نشوب كل الصراعات السابقة، وهذا يعطيك مؤشراً على أن هناك فعلا توجها نحو المصالحة، توجها نحو إيقاف الحرب، توجها نحو عودة الاستقرار ونبذ الخلاف والانقسام بين الليبيين.

بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية اتفق قادة الدول المنتصرة على ضرورة الجلوس ومحاورة دول المحور المنهزمة – بالطبع بعد محاسبة مجرمي الحرب دون هوادة –  ورغم علو كعبهم حاوروا المهزومين وجلسوا معهم واستمعوا إليهم ، فهم أذكياء بما يكفي ليتعلموا من التاريخ، لم يرغب أي طرف من المنتصرين  في إعادة أخطاء الحرب العالمية الأولى وما ترتب عنها من قرارات كارثية من قبل المنتصرين في حق الدول المنهزمة والتي كانت سبباً في اندلاع حرب جديدة بعد عشرين عاما فقط.

كل الشواهد التاريخية تبين لنا أهمية الحوار والمصالحة وعدم تهميش الآخر، توضح لنا أنه لا استقرار حقيقي دون المسامحة والمشاركة بين كل الأطراف، فهل من معتبر !!

التدوينة الحل يكمن في المصالحة والمشاركة   ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الحل يكمن في المصالحة والمشاركة  ”

إرسال تعليق