طرابلس اليوم

الخميس، 12 يوليو 2018

ما الذي يجري في ليبيا؟

,

ماثيو إم ريد/ فيوز الأمريكي

بعد سنوات عديدة من الاضطراب السياسي، وحصار موانئ النفط وتقلبات إنتاجه، ارتفع الإنتاج النفطي إلى حوالي مليون برميل في اليوم،  خلال الصيف الفارط. وقد ظل الإنتاج على ذلك الحال لمدة سنة تقريبا، كما أضحت انقطاعاته أكثر ندرة ولفترات أقصر، حيث أنها لا تستغرق أكثر من بضعة أيام أو أسابيع، في حين كانت عمليات الحصار السابقة تستمر لسنوات. وقد تحسن الوضع الاقتصادي لليبيا بشكل كبير مع ارتفاع الإنتاج وأسعار النفط بنسبة 50 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية.

لكن خلال هذا الصيف، تغيرت الكثير من المعطيات مرة أخرى، وقد تمت السيطرة على المنشآت النفطية ليس من قبل العصابات أو المحتالين ولكن من قبل مرشح رئاسي كان قد حرر الموانئ من قبضة بعض الجماعات الإرهابية منذ سنتين.

ومنذ سنة 2016، بدأ الاقتصاد الليبي بالتعافي بأعجوبة. ويرجع الفضل في ذلك إلى شخصين وهما: رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، المهندس مصطفى صنع الله، الذي وُصف بأنه “أكثر رجل متفان في مجال النفط”. أما الشخص الثاني فهو الرجل القوي في شرق ليبيا، خليفة حفتر، الذي استحوذت قواته على حوالي 75 بالمائة من صادرات البلاد النفطية منذ سنة 2016. وتجدر الإشارة إلى أن ليبيا تمتلك سبع محطات تصدير، سيطر حفتر على خمس منها. وحتى وقت قريب، كانت تلك المحطات الخمس مسؤولة عن تصدير 650 ألف برميل نفط في اليوم.

وخلال الفترة الممتدة بين سنة 2013 و2016، أُغلقت معظم المحطات بسبب الحصار الذي فرضه عليها إبراهيم الجضران وحراسه، الذين يشاركونه اهتماماته. ونتيجة لذلك، أصبح الإنتاج ضعيفا، ما ساهم في انخفاضه إلى 200 ألف برميل يوميا. وقد فشلت الحكومة المعترف بها من قبل الدول الغربية، ومقرها في مدينة طرابلس، في التخلص من الجضران أو التصالح معه. وفي الأثناء، ركزت السلطات المتنافسة في شرق ليبيا على تعزيز نفوذها بعد اندلاع الحرب الأهلية سنة 2014.

وخلال شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2016، قام جيش حفتر باجتياح شرق ليبيا واستعادة المحطات من الجضران، ودعا المؤسسة الوطنية للنفط إلى استئناف عمليات التصدير. وبصفة تدريجية، ارتفع الإنتاج خلال شهر تموز/ يوليو الماضي وتجاوز حدود 1000 برميل، وهو الحد الأقصى الذي استقر عليه في الفترة الأخيرة.

في الحقيقة، لم يكن على حفتر تسليم المحطات إلى المؤسسة الوطنية للنفط المعترف بها، والتي تتخذ من طرابلس مقرا لها. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم تشكيل شركة وطنية للنفط منافسة خلال سنة 2014 لأن السلطات في شرق البلاد لم تكن تثق في المؤسسة الوطنية للنفط أو البنك المركزي في طرابلس، فضلا عن أنهم أرادوا تصدير النفط وجمع العائدات بأنفسهم.

وقد فشلت المؤسسة الوطنية للنفط في مهامها بسبب تدخل المجتمع الدولي في العديد من المناسبات. ففي السابق، وعندما حاول الجضران بيع النفط الليبي سنة 2013، تبنى مجلس الأمن بالإجماع قرارات سمحت للقوى الأجنبية بوقف مبيعات النفط غير المشروعة. وقد قاموا بذلك، في عدة مناسبات، من خلال الاستيلاء على الشحنات وإعادة توجيه السفن المحملة بالنفط الليبي.

ونظرا إلى العلاقات الوطيدة التي تربط حفتر بالسلطات المتمركزة في شرق ليبيا، التي تدعم المؤسسة الوطنية للنفط المنافسة، والتي تتخذ من بنغازي مقرا لها، كان من المتوقع على نطاق واسع أن يقوم حفتر بتسليم محطات النفط إلى المؤسسة الوطنية للنفط الجديدة خلال سنة 2016، وهو ما لم يحدث. بدلا من ذلك، منح حفتر دعمه للمؤسسة الوطنية للنفط، التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، وتجاهل مُنافستها في بنغازي.

وعلى الرغم من غضب حفتر من كيفية توزيع عائدات النفط، إلا أنه ألقى باللوم على البنك المركزي، الذي يتسلم الإيرادات، بدلاً من المؤسسة الوطنية للنفط، التي تضطلع بدور تنفيذي بحت. علاوة على ذلك، كان تحرير حفتر للمحطات إنجازاً مهماً أبعده عن دائرة الكثير من السياسيين غير الفاعلين. فحتى لو لم تؤد عملية استئناف الصادرات النفطية إلى تحقيق مكاسب شخصية له، كان ذلك سيفيده على الصعيد السياسي، عندما يحين وقت الانتخابات.

في المقابل، تغيرت حسابات حفتر بشكل كبير هذه السنة عندما عاد عدوه القديم، الجضران، إلى الساحة من جديد. وفي الرابع من حزيران/ يونيو، وبعد غياب طويل وشائعات لا حصر لها بشأن مصيره، شنّ الجضران ورجاله هجومًا مفاجئًا على اثنين من أكبر محطات النفط؛ ألا وهي رأس لانوف والسدرة، اللتان تقعان على طول خليج سرت.

وقد تسببت الاشتباكات في اشتعال حرائق دمرت صهريجين كبيرين في رأس لانوف، حيث تم إغلاقه كإجراء وقائي، في حين استولى رجال الجضران لفترة وجيزة على المحطات. ومنذ سنوات، وعد حفتر بتحرير محطات النفط من المجرمين. لكن هذه المرة، يدعي الجضران أنه كان يحررهم من الحكم الاستبدادي القوي، كما زعم أنه سيسلمها إلى المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، التي كانت تشغلهم في ذلك الوقت بموافقة حفتر.

وفي 21 حزيران/ يونيو، استعاد رجال حفتر السيطرة على المحطات، واختفى الجضران منذ ذلك الحين. وبعد أربعة أيام، أعلن المتحدث باسم حفتر أنه لن يتم السماح للمؤسسة الوطنية للنفط، التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، بالعودة إلى المحطات. وبدلاً من ذلك، سيتم تكليف المؤسسة الوطنية للنفط غير المعترف بها في الشرق مسؤولية الصادرات النفطية الليبية.

وبسبب الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على بيع النفط من قبل أي شخص آخر باستثناء المؤسسة الوطنية للنفط، كان ذلك يعني عمليا أن حفتر كان يحاصر النفط الليبي. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، انخفض الإنتاج إلى نسبة غير محددة. وتتراوح تقديرات الإنتاج الحالية بين 300 و500 ألف برميل في اليوم، مما يعني أن الإنتاج قد انخفض إلى النصف على الأقل.

أما بالنسبة لحفتر، فقد كان الهجوم الأخير الذي شنه الجضران خلال شهر حزيران/ يونيو بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث مثل الهجوم الثالث الذي يشنه الجضران أو حلفاؤه ضد المحطات. كما يشتبه حفتر أن بعضهم يتلقى التمويل من قبل وزارة الدفاع. وفي حال كان يقع تمويلهم من قبل وزارة الدفاع، فذلك يعني أن المال متأتي من البنك المركزي، ما يدل بدوره على أن الأموال القادمة من البنك متأتية بالأساس من عائدات النفط. نتيجة لذلك، قرر حفتر إعادة ضم المؤيدين إلى صفه وذلك من خلال تسليم إيرادات النفط إلى حراس النفط والمتطرفين الذين يهاجمون منشآت النفط وقطع إيرادات النفط.

في الوقت الراهن، يلعب حفتر لعبة العصا والجزرة. لكن، لا يوجد سبب مهم للاعتقاد بأنه قادر على تصدير النفط، حيث تملك المؤسسة الوطنية للنفط سجلا مثيرا للجدل على الرغم من أنها تخضع لقيادة جديدة قد تكون ذات كفاءة، أو العكس تماما. ورغم أن المجتمع الدولي مستعد للوقوف في وجه حفتر، بيد أن الحصار الذي يفرضه المشير يمنحه نفوذاً سياسياً هائلاً. وفي هذا الإطار، قدم المتحدث باسمه قائمة تضم مجموعة من الطلبات في الرابع من تموز/ يوليو. وعلى رأس تلك القائمة، يطالب حفتر بإقالة محافظ البنك المركزي ويأمل في أن يقوم خلفه بعدم تمويل أعدائه.

في الواقع، يبدو من الأسهل فض الخلاف حول المال من حلّ نزاع على السلطة. وإذا كان حفتر راضياً بالتغييرات الطارئة على البنك المركزي في طرابلس، فلا زال بإمكانه التخلي عن المؤسسة الوطنية النفطية الناشئة في بنغازي.

التدوينة ما الذي يجري في ليبيا؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ما الذي يجري في ليبيا؟”

إرسال تعليق