طرابلس اليوم

الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

إيرما الليبي

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

مر إعصار إيرما المناخي على ولايات أمريكية مخلفاً وراءه خسائر في الممتلكات وضرراً بالبنى التحتية وألماً عابراً طال بعض السكان المتضررين ، كل هذا وقد حذرت مؤسسات الأرصاد الجوية الأمريكية الدولة والمواطنين بقوة الإعصار وتبعاته التدميرية ، فاستعدت الدولة وتهيأ المواطنون ، فما أن مر الإعصار حتى انقشع الضباب عن الرؤية فبدأ الأمريكيون تلمس الخسائر ونظرت الدولة في تعويضها .

وإذا أسقطنا هذا الإعصار المناخي الذي ضرب جزر وسواحل الأطلسي على إعصار أشد وطأة نعانيه نحن في ليبيا بالذات في أزمتها السياسية التي تضرب الموعد السابع في سني متتابعة لا يراد لها أن تنتهي ، فسنرى أن إعصار إيرما السياسي سيكون له الأثر المدمر على مستقبل الدولة الليبية ( إن لم يدمر بعد !! ) فبعض المتخصصين يقولون بإن الدولة في ليبيا لم تسقط بعد ، فهي لا تزال تمارس الحد الأدنى من مسؤوليات الدولة الإشرافية لا أكثر، كتسييل النذر اليسير من المرتبات والتحكم في ساعات طرح الأحمال الكهربائية والإشراف على عملية تعبئة خزانات وقود سيارات المواطنين بالبنزين وملئ اسطواناتهم بالغاز ليملؤوا بطون أبنائهم لاحقاً بأقل مما لذ وطاب .

لا تتعدى مهام الدولة الليبية اليوم ما ذكر ، وسيزيد الوضع سوءاً إن استمرت المهاترات السياسية بين أطراف النزاع أو الصراع أو العراك الدائر في ليبيا ، وسيؤدي إيرما الليبي إلى اختفاء ملامح الدولة الليبية وتصبح هذه الجغرافيا الصفراء خاوية على عروشها يتخبط ساكنوها ببعضهم باحثين عن مزيد من مصنعي القوارب المطاطية ليثبتوا بوصلتهم نحو شمال المتوسط رفقة البنغال والزنوج .

وكما حذرت وكالة الأرصاد الجوية الأمريكية مواطني دولتها من إيرما ، فقد حذرت رادارات المناخ السياسي ونشرات الطقس الليبية من إيرما محلية تلوح في الأفق ، فتنادت كلها .. مؤسسات وأحزاب وشخصيات محاولة نزع فتيل الأزمة السياسية في البلاد وإنهاء حالة الاحتراب الدامي الذي شتت وضيع جهود التنمية التي حلم بها أبناء هذا الشعب ذات فبراير .

ونتجت عن هذه الجهود المبذولة جلوس هذه الأطراف مع بعض الفاعلين والمؤثرين على الساحة الليبية ، ووقعوا جميعاً على اتفاقية مثلت خارطة الطريق الأولى نحو دولة مستقرة ستفكر لاحقاً في الازدهار ، وثيقة كتبها ليبيون ودعمها أمميون واستضافتها الصخيرات المغربية ، غير أن حسابات ضيقة و إدارة غير محترفة من قبل ربابنة كثر عطلت رسوها إلى يابسة طال إليها التوق .

ومع تعطل الحل ومعه استفحال المشاكل المتعلقة بالمواطن مباشرة كالسيولة النقدية والكهرباء والأمن الشخصي للسكان أمام توغل ما فتأ يزداد من قبل جماعات وأفراد مسلحين يقتاتون على الدولة موسماً وعلى المواطنين مواسم أخرى ، تعطلت أيضاً معه مبررات ودعاوى مؤازرة الليبيين لهذه المركب ، فظهرت على السطح حلول جانبية بعضها إيجابي كالانتقال إلى مرحلة ما بعد الدستور بعد الاستفتاء عليه من قبل الشعب والدخول في حالة الدولة الطبيعية وإجراء انتخابات شاملة ، وحلول تحمل نصف الحلول كإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مطلع العام المقبل إيذاناً باستمرار المرحلة الانتقالية ودخولنا في ثالثها حيث استمرار اللادولة ، وحلول سيئة ومجربة كعودة الاستبداد السلطوي بأن تحكم البلاد بالحديد والنار من طرف واحد مدعوم إقليمياً وإن كتب له النجاح فسيغض عنه الطرف دولياً .

كل هذه الخيارات هي سيناريوهات مطروحة ولكنها بعيدة عن موضع التنفيذ لتخبط من بيدهم الحل والإصرار من كل واحد منهم – إلا من رحم ربي – على أنه الموصول بليلى وداً وبليبيا حلاً ، وإلى أن يعي الجميع خطورة المشهد ويصدقوا رادارات الناظرين والمستشهدين بحركة التاريخ الذي يعيد نفسه دائماً سيظل الخيار الذي يفرض نفسه هو سقوط الدولة وضياع المواطن، فعندها لن نكون كشعب الولايات المتحدة الأمريكية نعاين الضرر ولن تكون لنا دولة مثلهم تعوض ما فقد .

التدوينة إيرما الليبي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “إيرما الليبي”

إرسال تعليق