طرابلس اليوم

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

العذرية المصطنعة للشعب الفاضل

,

احميد اعويدات/ كاتب من الجنوب الليبي

أزال كتاب شموس المثير للجدل  نقاب العذرية الفاضلة المصطنعة التي يوهم بها الشعب نفسه ، كما أثارت قصة “كوشان”  وهي إحدى نصوص هذا الكتاب جدلًا على نطاق واسع خصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، تبعتها أصوات التنديد والرفض للمحتوى الذي جاء في شكل طرح ونقل واقعي للشارع الليبي وما يعيشه الغالبية، حيث تمثلت تلك النصوص مع السرد الواقعي  بكونها مكتوبة باللهجة العامية وبمصطلحات الشارع التي جعل الكثير يستاءون منها ولايستسيغونها، ومنهم من اعتبرها انحطاط بالرغم من كونها ألفاظًا وقصصًا يسمعها كل من تجول في الشوارع والمتاجر بل أيضًا في المؤسسات الحكومية.

وبعد شهر من إشهار الكتاب في أكثر من دار للنشر على كامل ربوع ليبيا، تناقل رواد صفحات التواصل الاجتماعي نصوص قصة كاشان التي تتحدث عن مواقف وأحداث هي موجودة وتحدث بشكل يومي وواقعي بعيداً عن أي تستّر، ومتجردةً من كافة ضوابط اللغة وبكل حدّة في النقاشات المتداولة في الشارع الليبي عامّة، ورغم العذرية المصطنعة من الشعب الفاضل إلّا أن تجاوب عامة الناس نتج عنه السب والشتم بذات الألفاظ التي استهجنها هولاء.

لم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل أصبحت القصة والكتاب ككل قضية رأي عام وهوالرأي الذي لا يكاد يُرى عند الحديث عن أزمات ليبيا، حيث تطور الجدل الحاصل على الكتاب إلى إصدار تعقيبات وبيانات من جهات عامة في الدولة، كالبيان الذي صدر عن الهيئة العامة للثقافة التي نفت فيه أية علاقة لها بإصدار الكتاب أوبدعمه، مصرّحةً أنها أيضا قد فوجئت بالكتاب مثلما فوجئ به الناس! ،مشيرة إلى أن الهيئة لا علاقة لها بمؤلفيه ومعديه، ونفت علاقتها بمضمونه الذي ضم نصوصًا فاضحة وخادشة للحياء لا تعبر عن “ثقافة الشارع الليبي”!!، وإنما شوهته وأظهرته في أقبح صورة، وهوأمر يثير السخرية، والذي أعتبره نفاقاً واضحاً، إذ لا تخلو حياة الشارع الليبي من التعامل بهذه الألفاظ ليكون الكتاب على عكس ما تحدثت عنه الهيئة وهوواقع ، فلا إشكال بالنسبة للمجتمع الليبي إن سمع كلامًا فاحشًا يبلغ في بعض الأحيان تطاولا يبلغ في أحيان إلى سب الجلالة، تعالى الله عما يقولون؛ لكنه يغضب إذ قُدِم له الواقع في نصوص تجرد المجتمع  من واقعه المصطنع الذي يكرس فكرة المجتمع الفاضل النقي المحافظ، رغم أنه يمارس الرذائل في الخفاء.

محرر الكتاب خالد مطاوع علّق أيضا على البيان الذي نشرته هيئة  الثقافة والردود السلبية للنّاس عامّة، قائلا إنه تابعها محملا نفسه أي مسؤولية مترتبة على الأمر، مضيفا أن رواية كاشان نشرت منذ  5 سنوات وتم تضمينها في الكتاب، وهوالأمر الذي يشير إلى عدم اهتمام من علقوا على الرواية بجانب القراءة في الأصل.

التناقض المجتمعي يبرز حين ينشغل الرأي العام عبر مواقع التواصل بطفل ينطق ألفاظًا بذيئة أوشابًا مضطربًا حدث حوله جدل، بل بلغت تسجيلاته الصوتية أوجها فترة  السنوات الأخيرة  وهويتحدث مع جيرانه أوأصدقاءه بذات الألفاظ على كونها مضحكة ، بل وينتشون برداءة الحوار والحديث خصوصاً عندما يتحدث عن الجنس.

ما يزيد من النفاق أيضًا أن الساسة الليبيين الذين يتصدرون المشهد قد تسربت لهم من حين إلى آخر مقاطع فيديووهم ينطقون بمثل هذه الكلمات التي سميت بالفاحشة، بل وصل حال بعضهم أن كشف عورته في كثير من المناسبات ولم تلق هكذا رد فعل!

للأسف وعندما أرى ما تمر به ليبيا ليس فقط أزمة سياسية، بل أيضا أزمة ثقافية، بلغت ببعضهم أنه صار يعتقد بوجود مؤامرة تريد الانحراف بشعب الله الفاضل، ولا احترام للعقول وحرية التعبير التي صدعوا رؤوسنا بها وهم أصلًا لم يمنحوا الشخص حرية الكتابة والنشر.

لم يكلف منتقدوا الكتاب أنفسهم عناء البحث في تاريخنا وأمهات كتبنا، فلوكانوا قراءا ومهتمين بما يسمونه الذوق العام لمروا على كتابات ابن قتيبة الدينوري والمسعودي وابن كثير وابن الخطيب والمقري وابن خلكان وغيرهم ممن كانت لهم كتب ومصنفات أكثر وضوحا ونقلا لعصرها من الآن، فإدعاء التطهر والطهر في هذا الزمن زادت حدته وتنوعت طرقه، المحافظة على تلك الصورة المخادعة والمزيفة تستلزم كل تلك الضوضاء التي أُثيرت حول كتاب.

ولكن من جانب آخر أرى أن هذا الجدل صحي، فقد دفع الكثيرين لشراء الكتاب وقراءة ولو بضع صفحات، المشهد يقود للقراءة ولوكان جزئيا ومرحليا وآنيا، ولكنه مفيد ومثمر على المدى البعيد في حال تم استغلاله، لذا نجح الكتاب من حيث أرادوا له الفشل.

أعلم تمامًا أني أيضاً قد أقابل بنفس الكلمات النابية من بعض من سيقرأ كتاباتي هذه وأغلب من سيقرأ المقال لن يكمله ،فقط لأنني قد أكون أبعدت لثام تلك العذرية المصطنعة،التي كتبت على شعب لايكاد يستفيق من وهم المحافظة السامية الذي يروجها عن نفسه.

التدوينة العذرية المصطنعة للشعب الفاضل ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “العذرية المصطنعة للشعب الفاضل”

إرسال تعليق