طرابلس اليوم

السبت، 16 سبتمبر 2017

أُمتنا بين أوهام الاستقلال وتبعية الاستعمار

,

شكري الحاسي/ عوض الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

لقد كان الاستعمار الحسي المتمثل في شخصيته الظاهرة من عساكره ، وبوارجه وآلياته الحربية ، وإدارته العسكرية والمدنية ؛ بمثابة الأصنام الحجريه ، والخشبية التي تمثل الآهة المزعومة التي تنحني لها الرؤوس وتتمرغ عندها الجِبَاه وتُقدم لها النذور والقرابين ، وهذا هو الشرك الساذج الذي يتخيله الجهلة والحمقى إذا ذُكر الشرك ؛ كذلك الاستعمار الساذج إذا ذُكر  في حس الحمقى والمغفلين وهذا أيضاً ما صورته الدراما الساذجة في فيلم الرسالة على سقوط الشرك بمجرد سقوط الأصنام الظاهرة وأصبح الإنسان بعدها  مسلماً حراً ؛   دون سقوط الأصنام الخفية التي لها حق التشريع والولاء والبراء .

وكذلك غَفِل المغفلون عن استعمار أخطر ، وأنكى أثراً  يفعل في الأمة كما تفعل الخلايا السرطانية الخفية في جسد الإنسان .

هكذا كان الاستقلال في مفهومه الجديد الساذج دولة ذات سيادة لها عَلَم ودستور  . ولكن لا تملك من أمرها شيء فلا حق لها في أن تملك حاضرها ومستقبلها بل ولا حتى ماضيها. ! فغدت دولٌ لا تملك أن تحدد سياستها ولا أن تبني علاقتها بمعزل عن مستعمريها  فأي استقلال لأمة لا تملك غذاءها ولا دواءها ، ولا تصنع سلاحها وإن منَّ عليها أسيادها بجرعة من عِلم وتقنية وتكنولوجية إلا بقدر ما تحطم به نفسها ، أو جيرانها كما يُعطى المُدمن بقدر إدمانه فهو في منزلة بين منزلتين  ( فلا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخفف عنهم من عذابها ) فكل أمة لا تملك قرارها ، ولا تصنع دواءها ، ولا سلاحها هي مستعمرة مستعبدة  لا تملك سيادة ، ولا استقلالاً حقيقياً . فالحاجة مظنة المذلة والاستعباد .

فمن يجهل هذه البديهيات الواضحات أصبح حاله حال من يرى الشرك إلا في تلك الأصنام الحجرية الخشبية الساذجة .

وعليه أقول إنَّه لمن التدليس والخداع على الجماهير النَّائمة التي تترقب البيان ، والوضوح في بيان حقيقة الاستقلال من عدمه . والوجه الجديد الذي تقنَّع به الاستعمار الحديث والتبعية له .

لقد اتخذ الغزو الثقافي لأمتنا مساراً خطيراً دون الاستعمار التقليدي في وجهه القديم فغيَّر أفكاراً ، وعقائد ، ومسخ عقولاً  إنسانية قردة وخنازير .!!!

ولقد فعلت العولمة ما لم  تفعله جيوش جرارة مدججة بأحدث أسلحة الدمار الشامل .

وفي كل هذه التقنيات ، والفضائيات أصبحت أمتنا في محل المفعول لا الفاعل والمطرود لا الطارد ، والمسبوق لا السابق . ثم بعد ذلك تعتقد الاستقلال والسيادة.!!!!

إنَّ معرفة حقيقة الاستقلال المزيف وتعريفه للجماهير يرفع عن كاهلنا مسؤوليات وتبعات لا نحتاج لبيانها في أوقات الأزمات بل تكون عاملاً مساعداً في تخطيء تلك الأزمات .

لكن الأنكى من ذلك كله أن يكون مخفياً مجهولاً عن العلماء وأصحاب القرار ؛ والذي يترتب عليه نتائج خطيرة في بناء الأحكام واتخاذ القرارات ، والفتاوى التي لا تدرك الواقع ، ولا موازين القوى . ثم تصبح وبالاً على الأمة والمجتمعات .

إنَّ هذه القضية لمن الواضحات ، والبديهيات وصدق من قال : فكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل . بل إنَّ الثورات التي اشتعلت نارها في دول العالم العربي لم تكتمل وتُوتي ثمارها إلا بتدخل الاستعمار  ، والعنصر الخارجي الذي كان لهو  نصيب الأسد في الحسم ، والقضاء على القذافي وجنوده ، ولا يجحد ذلك إلا ضعيف البصر والبصيرة.

ولهذا رأينا الثورة السورية واليمنية كيف طال أمدها ، وتراكمت ضحاياها لما غاب عنها الاستعمار ، والتدخل الخارجي . وهذا ما أكده عزمي ابشارة في حديثه عن الثورات . بل حتى الثروات التي حبانا الله بها ؛ لم يكن لها أثرٌ في حياتنا ، فهم الذين ينقبون عن النفط ويخرجونه ويكررونه ويصنعونه . ولولا ذلك لأصبح خزاً ينقر في رمالنا . !!!

ونستطيع القول وبكل وضوح أنَّ الاستقلال ؛ ما هو إلا خديعة كبرى وكِذبة عُظمى  لا تخفى إلا على ضعاف العقول ، والجهل بحقيقته يترتب عليه الخلط في الفتاوى ، وتنزيل الأحكام ، وعدم تحديد المراحل ما بين الاستضعاف والتمكين ، والتي بمقتضاها تتنوع الأحكام وتختلف الفتاوى وتتباين الاجتهادات .

ولقد نظرت إلى ساعتي ؛ فإذا هي من اليابان ، ونظرت إلى ثوبي فإذا هو من الطليان ، ونظرت إلى حذائي ، وإلى سيارتي وتلفازي وبيتي وحاسوبي وما أملك فإذا هو من الأمريكان ؛ عندها أيقنت أنى مستعمرٌ من كل مكان .!!

وأعجبني سائلٌ لما قال : لو اختفى العرب من على وجه الأرض ، فماذا ستفقد البشرية من ذلك وما الذي سيفقده العالم .؟  إلا فسحٌ للمجال لمن يستحقون البقاء.

التدوينة أُمتنا بين أوهام الاستقلال وتبعية الاستعمار ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “أُمتنا بين أوهام الاستقلال وتبعية الاستعمار”

إرسال تعليق